في خليجنا العربي، أو الفارسي، أو أيا كان عرقه أو جنسه، على ضفتي هذا الخليج الذي نستذبح على عربيته، تنساب طائفيتنا وتتكوم صراعاتنا، نتناظر عبر الخليج، ثم نحدق على جنبينا في جيراننا، نشك في هؤلاء ونشكك في أولئك: هذا يعبد القبور، أولئك يؤيدون القتلة، هؤلاء يشككون في زوجة الرسول، أولئك يمارسون طقوساً خارجة، ندور حول بعضنا كالثعالب المفترسة، ننتظر اللحظة المناسبة، ننقض، تسيل الدماء، نستصرخ الشهادة، كلا الطرفين شهيد، كلا الطرفين الى الجنة ذاهب، كلهم مخطئ الا من فئة، كلهم هذه الفئة، كلهم ليسوا بهذه الفئة، ونبقى ندور حول بعضنا البعض، ودوخيني يا لمونة.
الى أن تقع الكارثة، مسجد يتهدم فوق رأس السنة في العراق، حسينية يطلق على شيعتها النار في السعودية، دماء ودماء، صور في الصحف، ونحن في بيوتنا، تفصلنا عن الموتى المسافات والجرائد وشاشات التلفاز، هذه الأشياء لا تحدث «لنا»، هي دوماً تحدث «لهم»، ولا ندرك كم هو عبثي هذا القدر، كم هو سريع في نقلنا من «نحن» إلى «هم»، كم هو قريب الخطر. يعلنها ساستنا، نحن جميعاً واحد، لا فرق بين سنتنا وشيعتنا، دول الخليج لا تفرق، كلنا شعوب واحدة، كلنا ولاؤنا واحد، فلا أسوأ من طائفيتنا سوى نفيها، ولا أقسى من نتائجها سوى غض البصر عنها. قالها وزراء الخارجية، وحكى فيها القادة والساسة، نثروا الكلمات بهية فوق جثث الموتى: ان هذا حادث عرضي، ويبقى تلاحمنا، لا فرق بين شيعي وسني الا في المواطنة، ثم يموت الشيعة ويموت السنة ثم ينفي القادة والساسة ثم يحكون عن التلاحم، ثم يموت، ثم ينفي ثم يحكون ثم يموت ثم ينفي ثم يحكون، ودوخيني يا لمونة.
ترى لماذا لا تقف هذه «اللمونة» عن الدوران، لم لا نصطادها ونخنقها عصيراً لذيذ المذاق؟ لربما السبب غريب جداً، السبب هو اتفاقنا، كلنا متفقون على ان هناك فرقة واحدة ناجية، كلنا متفقون على انها ستحكم الأرض، كلنا متفقون على وجوب الدفاع عنها لآخر رمق، وصولاً لآخر قطرة خمر في الجنة وامساكاً بآخر حور عين فيها، كلنا متفقون على اننا على الطريق الصحيح، كلنا متفقون على ان «الخطر خارجي» وان جهادنا مستوجباً ضده، كلنا صح، كلنا خطأ، كلنا ناجون، كلنا «مجحمون»، نحن نسخ طبق الأصل من بعضنا، لا نعرف كيف نصنع عصيراً، خبرتنا تنحصر في اللحاق «باللمونة» والاحتراق برذاذها.
حادثة إطلاق النار على حسينية في قرية الدالوة في السعودية أثارت كل روائح الدماء الآتية من العراق، حادثة تذكر بركاكة القشرة الأرضية في منطقتنا، بالزلزال يتردد في باطنها منتظراً لحظة الانطلاق. رعب ان ترى الدماء تسيل في بيوت الله وأماكن ذكره، والأكثر رعباً ان تمر هذه الحوادث من دون ان تزلزلنا وتقلب حيواتنا، نستمر وتسيل الدماء، اعتدناها وألفتنا، الا بئس الصداقة تلك.
في الجمعة 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 07:43:18 م