داعش العرب وداعش إسرائيل

أعلن تنظيم إسلامي "دولة الخلافة في الشام والعراق"، وأطلق عليها اسم الدولة الإسلامية، ويرمز لها اختصاراً باسم "داعش"، هذا التنظيم يقول الباحثون إنه فرع من فروع تنظيم القاعدة الذي نشأ في تسعينيات القرن الماضي، لمحاربة الوجود الأجنبي في الجزيرة العربية خاصة، والوطن العربي عامة، بعد اجتياح الجيش العراقي الكويت عام 1991، ودخول جيوش الحلفاء 33 دولة إلى جزيرة العرب، تحت ادعاء تحرير الكويت، بموجب قرار من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، وتشعب إلى تنظيمات متعددة، مختلفة الأسماء والصفات. لكن، بقي الأصل واحداً هو "تنظيم القاعدة".

تنظيم الدولة الإسلامية مسلح، ويتبنى الفكر السلفي الجهادي، ويهدف إلى قيام دولة الخلافة، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وتأسست نواته في عام 2004، عقب احتلال الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العراق عام 2003. وفي 29 يونيو/حزيران 2014، أُعلنت دولة الخلافة، وسمي أبو بكر البغدادي أمير المؤمنين أول خليفة في هذه الحقبة من تاريخ الحركات الإسلامية الحديثة. وضعت الولايات المتحدة هذا التنظيم على قائمة الإرهاب، وأعلنت الحرب عليه، ويشارك في هذه الحرب أكثر من 50 دولة، منها دول عربية وأوروبية، إلى جانب أميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا.

(2)
يرتكب قادة "داعش" ومنتسبوه جرائم بشعة، تقشعر لها الأبدان، مثل ذبح الإنسان من الرقبة كذبح الأنعام، ومنها القتل الجماعي لكل من لا يسير معهم، والاستيلاء على المال العام والخاص، وهتك المحرمات وتشريد المدنيين من منازلهم وقراهم. هذا ما تتناقله وسائل الإعلام العربية والدولية، والتي تقول، من دون استثناء، إن تنظيم الدولة الإسلامية فرض على مسيحيي العراق الجزية أو الإسلام أو الرحيل عن البلاد التي تحت سلطتهم. وكما تقول معلومات مضادة إن التنظيم استخدم المصطلح الإسلامي "الجزية"، وهي كما يقول أنصار التنظيم ضريبة مالية في مقابل حماية من ليس على الدين الإسلامي، وعدم مطالبته بالاشتراك في حروب الدولة الإسلامية، ولم يجبروا على اعتناق الدين الإسلامي، ولكن الخوف، وهو طبيعة إنسانية، أجفل المسيحيين عن أراضيهم خوفاً وليس قهراً. لا جدال في أن الأعمال الوحشية التي يقوم بها التنظيم ضد الإنسان في العراق والشام إجرامية، نشجبها وندينها، ولا نقرها تحت أي سبب، لأن الإسلام دين محبة وألفة وتسامح، وليس دين إرهاب وذبح الإنسان كذبح الأنعام.

يقف المجتمع الدولي، برمته، بكل قواته المادية والمعنوية، وما في حكم ذلك من القوة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وجند لها كل إمكاناته القتالية من طائرات حربية وقوات برية، طبعا ميليشيات طائفية، عراقية وإيرانية، وعصابات مرتزقة، وتم تسليح تلك الميليشيات بأحدث الأسلحة وتدريبها تدريباً لحرب المدن والأرياف، بمعونة أميركية، ومن دول غربية، والمعارك تدور على رؤوس أهل السنة في العراق، من دون تمييز، وذلك أمر لا يبعث على الأمل في إنهاء هذه الحرب الملعونة، لأنها تدور في أراض عربية، وعلى رؤوس أهل السنة من المدنيين الأبرياء. ومن المؤسف أن الحكومة العراقية الطائفية استغلت هذه الحرب لتصفية حساباتها مع أهل السنة في العراق.

(3)
تلك، إذن، هي "داعش العربي"، وما تصنع وما يصنع بأهل العراق وسورية، لمحاربة داعش، فماذا، عن داعش الإسرائيلية؟

في الجانب الآخر من الصورة، تقوم إسرائيل بالأعمال نفسها التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من ذبح الإنسان كما تذبح الأنعام على الطريقة الغربية، أي القتل بإطلاق الرصاص على رأس الضحية، ويحرق الإنسان الفلسطيني بعد تعذيبه عذاباً، يشيب له الولدان حياً واقفاً مصلوباً. وفي مكان آخر، تشنق عصابات قطعان المستوطنات من تصل إليه أيديهم من الفلسطينيين، أصحاب الحق في أي مكان، ولا يترددون في شنقة في وسيلة مواصلات، أو أماكن عامة، تحت سمع وبصر الأمن الإسرائيلي. داعش الإسرائيلية تقوم بأعمال أخرى، يحرّمها القانون، مثل هدم منازل المتهمين من الفلسطينيين ومصادرة ممتلكاتهم، وتجبر آخرين على هدم منازلهم بأيديهم، وهي أكبر جريمة بعد القتل أن يهدم الإنسان ما بناه لأسرته وبنيه من بعده على أرضه. داعش الإسرائيلية تنتهك حرمة الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس والضفة الغربية، ناهيك عن حصار غزة.

في يوم الخميس الماضي، اقتحمت الميليشيات الصهيونية مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين، تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، واعتقلت أكثر من 21 مواطناً فلسطينياً، واقتحم الجيش الإسرائيلي الداعشي مدينة نابلس، وعبث بالمدينة وأهلها الآمنين، ولم تحرك السلطة الفلسطينية شعرة في جسد صهيوني.

قررت الحكومة الإسرائيلية تسليح جميع اليهود في مدينة القدس وضواحيها، لمواجهة الفلسطينيين أهل الأرض والحق، والعالم كله يتفرج على ما يلحق بالشعب الفلسطيني من انتهاكات لحقوقهم وهدم منازلهم وشنق وحرق شبابهم أحياء، انتقاماً منهم على ما لم يفعلون.

(4)
العالم استنفر كله ضد "داعش"، وجندت الأموال والجيوش لدحر هذا التنظيم، على الرغم من أنه يشكل تهديداً لنظام طائفي دكتاتوري متوحش، في كل من دمشق وبغداد، ولم يقم إلا لإزاحة ذينك النظامين الطاغيين المستبدين، وهذا ما يتوافق ورغبة الدول الغربية وأميركا وحلفائهم من العرب. لكن "داعش الإسرائيلية" التي تريد أن تقيم الدولة اليهودية، وتطبق الشريعة اليهودية على مواطنيها، لم يعترض على جرائمها ضد الفلسطينيين أي إنسان.

في العراق، يجند حزب الدعوة الحاكم في بغداد الميليشيات ويسلحها، وتدربهم أميركا لمحاربة الشعب العراقي الشقيق بذريعة محاربة الإرهاب، أي داعش، بينما يحارب محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ويعتقل كل من يقف في وجه الدواعش الإسرائيليين الذين ينكلون بالشعب الفلسطيني. تسلح إسرائيل كل العصابات المستوطنة في القدس وضواحيها والضفة الغربية، وعباس يجرد الفلسطينيين، حتى من حمل الحجارة وقذفها على المستوطنين اليهود، بل ويعتقلهم.

آخر القول: دواعش إسرائيل محميون، ودواعش سورية والعراق مستهدفون. إسرائيل تسلح دواعيشها، ومحمود عباس يجرد الفلسطينيين حتى من امتلاك الحجر لمقاومة الاحتلال. حزب الدعوة في العراق يسلح ميليشيات ويجندها، ومحمود عباس يعتقل كل من يقاوم إسرائيل، وشتان بين القيادات الفلسطينية والإسرائيلية وحكومة المحاصصة في بغداد.

في الإثنين 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 10:10:44 م

تجد هذا المقال في المركز اليمني للإعلام
http://yemen-media.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://yemen-media.com/articles.php?id=360