|
في مقال سابق، بعنوان (لاجدوى من تحديد الهدف، دون معرفة الطريق) بتاريخ 26 أكتوبر، قلنا فيما قلناه:
"على المسرح السياسي والعسكري تبرز اليوم قوة جديدة، هي الحركة الحوثية، التي نعتبر أن أبرز عناصر القوة فيها، هو أنها لم تكن جزءاً من مكونات النظام السياسي، المطلوب تجاوزه، وبالتالي لم تكن شريكة في خطاياه، التي نحصد اليوم نتائجها. وهذا يمكن أن يعطيها قدراً من القبول ومن المصداقية في عيون المواطنين، إذا هي أحسنت التعامل والتعاون مع المكونات السياسية الأخرى، ووجهت جهدها مع الآخرين نحو هدفنا المركزي، وهو بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، وتحاشت عملية التمدد والتوسع الحالية، التي ستبدد جهودها وتشتت قواها وتضعف قدراتها، وقد تولد اصطفافات موجهة، ذات طابع مناطقي، عشائري، طائفي، يضر بالقضية الوطنية وبوحدة اليمن، مجتمعاً وجغرافيا.
إن من مهام المكونات السياسية ممارسة الضغط على الدولة، لتضطلع بواجباتها. وليس من مهام أي مكون سياسي منها أن ينوب عن الدولة منفرداً، في التصدي للمشكلات الكبرى، التي يعاني منها الوطن. فهذا أمر يفوق قدراته، مهما بلغت قوته. وقد يقود ذلك إلى عواقب وخيمة، لسنا قادرين على درئها. نقول هذا من منطلق الحرص على الوطن والحرص على الحركة السياسية اليمنية بصورة عامة، وعلى الحركة الحوثية على وجه الخصوص، باعتبارها أداة وطنية قادرة، بمشاركة القوى الأخرى الفاعلة، أن تسهم في إحداث التغيير المطلوب، إذا هي لم تخطئ حساباتها، ولم تندفع، شأن من سبقوها، في المتاهات والمسالك غير الواضحة، التي تنعدم فيها الرؤية وتُستنزف الطاقات ويُهدر الوقت ويُدمر الوطن".
هذا ماقلناه في أكتوبر من العام المنصرم. فهل أخطأت الحركة الحوثية حساباتها؟ سؤال ملح، على الحركة الحوثية نفسها أن تجيب عنه الآن، لأن إجابتها ستحدد أي منحى ستتجه إليه: منحى السلم والتفاوض وحقن دماء اليمنيين، أم مواصلة الحرب، دون أفق سياسي واضح. وفي انتظار إجابتها، التي نأمل ألاَّ يطول انتظارنا لها، نطرح على أنفسنا سؤالاً آخر، وهو: لماذا لم يُسمع صوتنا وأصوات غيرنا، ممن لاينطلقون في مواقفهم من العداء لأي مكون سياسي، بل ينطلقون من الخوف على اليمن وعلى كل أبنائه، بمن فيهم أولئك الذين يواجهون بعضهم بأدوات الموت؟
لقد كررنا في كتاباتنا، وفي لقاءاتنا بممثلين للمجلس السياسي لحركة أنصار الله، ضمن اللجنة الشعبية للتقريب بين المكونات السياسية، وضمن التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية، كان آخرها حوار أجراه التجمع الوطني لمناضلي الثورة مع عضوين في المكتب السياسي، بتاريخ 8 فبراير من هذا العام، كررنا جملة من الأفكار، التي نعتقد أنها أفكار مهمة، رغم أنها لم تؤثر في مسار الأحداث. ومع ذلك قد يكون التذكير بها الآن محفزاً للرجوع إلى المسار السياسي والإنصراف عن خيارات الحرب وكوارثها. ونكتفي هنا بإيراد أهم تلك الأفكار:
1. لايمكن لمكون سياسي واحد أن ينفرد بالسلطة، دون غيره من المكونات السياسية الأخرى.
2. إن دور الحركة الحوثية، وقد برزت كقوة يصعُب تجاهلها أو إقصاؤها، يتمثل في السعي لبناء الثقة مع المكونات السياسية الأخرى ووضع أسس شراكة وطنية هدفها بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة.
3. إن التنازل لشركاء الوطن لايقلل من قدر صاحبه، بل يرفعه في عيون الآخرين ويكسبه احترامهم.
4. إن التمدد العسكري، خطأ يجب تحاشيه. لأنه سيولد اصطفافات مناطقية وطائفية تهدد النسيج الإجتماعي اليمني، الذي تميز عبر التاريخ بتماسكه، رغم تعدد المذاهب الدينية. كما سيؤدى إلى تداعيات إقليمية ودولية خطرة. نظراً لموقع اليمن الاستراتيجي، وممراته المائية، التي ترتبط بها مصالح دول كبرى في العالم، والتصاقه ببحيرات النفط، الذي يدير عجلة الإقتصاد العالمي كله.
5. إن القوة مسألة نسبية ومتغيرة. فالضعيف بالأمس أصبح قوياً اليوم. ويمكن أن يغدو ضعيفاً في الغد. فالزمن دوَّار، لايبقى على حال. ويجب الإستفادة من قوة اليوم لتحقيق حلم اليمنيين في بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة، تشارك في بنائها كل المكونات السياسية والإجتماعية.
6. تم تهميش الحركة الحوثية وإقصاؤها في الماضي. وهذا خطأ مارسته بعض المكونات السياسية. وعلى الحركة الحوثية ألا تكرر خطأ الآخرين، وأن تعطي النموذج المتميز، بحرصها على العمل مع كل شركاء الوطن، حتى مع أولئك، الذين عملوا على تهميشها وإقصائها.
7. إن الحوار هو السبيل الوحيد لإخراج اليمن مما هو فيه والتوجه لبناء دولته المدنية الديمقراطية العادلة. أما الإقتتال فهو نهج مدمر لليمن ولليمنيين، ولن يخرج أحد منه منتصراً وسيكون الخاسر الأكبر هو الوطن.
هذه الأفكار وغيرها طرحناها قبل تمدد الحركة الحوثية إلى تعز وعدن والضالع وحرض وغيرها من المدن والمناطق اليمنية، التي حمل التمدد إليها كوارث، لم يشهد لها اليمن مثيلاً في تاريخه الحديث. ومع ذلك نأمل أن تبقى هذه الأفكار، أفكاراً ملهمة لخيار استراتيجي سياسي، يزيح الحرب من دائرة الخيارات لتحل السياسة محلها، وينهي الإقتتال ليبدأ الحوار الوطني المسؤول، بعد أن جرب كلٌ قوته، وثبت له أن القوة نسبية ومتغيرة، كما قلنا. وأن استخدامها في معالجة قضايا الوطن يدمر ولايعمر ويضر ولاينفع.
لقد كثر الحديث عن الخيارات الاستراتيجية. ولم تفصح أية جهة مسؤولة في الحركة الحوثية عن فحوى هذه الخيارات حتى الآن. ومانزال ننتظر الإعلان عن هذه الخيارات، التي نأمل ونلح على أن تكون خيارات سياسية، تؤدي إلى إيقاف الحرب وإعادة الجميع إلى طاولة الحوار، للتوافق على ترتيبات تكفل إنسحاب جميع المليشيات المسلحة من كافة المدن والمحافظات، وتسليم المهام الأمنية إلى أجهزة الأمن المختصة، مع توفير مستلزمات نجاحها، وإنسحاب اللجان الثورية من مؤسسات الدولة وتسليمها للأجهزة الإدارية المختصة، إلى غير ذلك من ترتيبات سياسية وأمنية وعسكرية، أوضحناها في مقال بعنوان (الخروج من المحنة)، نُشر في بتاريخ 28 أبريل وتبناها التجمع الوطني لمناضلي الثورة في مبادرته، بتاريخ 15 مايو 2015م. لأن أية خيارات عسكرية لايمكن اعتبارها خيارات عاقلة. فالحروب العبثية، كحربنا الراهنة، أثبتت دائماً فشلها وألقت بكوارثها ومصائبها على كواهل الشعوب، التي لم يؤخذ رأيها قبل الزج بها في أتونها. واستمرار الحرب الراهنة لايعني سوى مزيد من الدمار والقتل المجاني وانسداد الأفق أمام توافق سياسي ينتشل الوطن مما هو فيه.
باختصار شديد: إن الخيارات الاستراتجية المفيدة لليمن لن تكون إلا خيارات سياسية. والحركة الحوثية معنية قبل غيرها بالإتجاه نحو الخيارات السياسية. لأنها هي المسؤولة عن تغليب خيار الحرب. وقد فوتت باندفاعها إلى هذا الخيار فرصة تاريخية سانحة، كانت ستمكنها من أن تقود عملية سياسية توافقية، تفتح الطريق أمام بناء الدولة والنهوض بالوطن. فهل مايزال في الوقت متسع للعودة إلى الخيار السياسي؟ أخشى أن يبقى الجواب مرهوناً بمواقف القوى الإقليمية والدولية المتصارعة، التي تمسك بمفاتيح اللعبة، أكثر مما يتوقف علينا نحن اليمنيين. فنحن قوم أثبتنا أننا نحسن قتل بعضنا ولا نحسن الأداء السياسي. ولو كنا نحسن الأداء السياسي والتفكير المتوازن، لأدركنا مبكرين، أن الخيار الاستراتيجي، الذي يجب أن يتمسك به اليمنيون جميعهم، هو المشروع الوطني الواضح، المتضمن خطوات عملية لتجنب الحرب وإرساء قواعد ثابتة للشراكة الوطنية واعتماد الحوار السياسي منهجاً وحيداً للعمل وسبيلاً مأموناً لبناء اليمن الجديد. هذا هو الخيار الاستراتيجي الصحيح والمقبول وطنياً. أما ماعداه فلا يعني إلا مزيداً من القتل والدمار والتمزُّق وضياع اليمن في سوق المزاد الإقليمي والدولي. وبعبارة أخرى: لايعني إلا الإنتحار الجماعي.
في الخميس 06 أغسطس-آب 2015 12:42:14 م