"هذه تعز التي أعرفها "
فاروق مقبل
فاروق مقبل

تعز وحدها المدينة والمحافظة اليمنية الوحيدة التي سيختلف إثنين من أبنائها معك حيالها بين مؤيدا ومعارضا، لهذا تدفع تعز الثمن غالبا وغاليا.

تعز هي عنوان التنوع وإيقونة التعصب في زمان العولمة تتحدث عن المدنية ليل نهار والسلاح في خاصرتها وبين أناملها جنبا إلى جنب مع القلم، تعطيك كورس من المحاضرات عن الرجعية السعودية والأمراض التي أصر ويصر النظام السعودي على حقنها في الجسد اليمني منذ أكثر من 80 عام، وفي الصباح ستخرج بكل أبنائها رافعين صور الملك السعودي عنادا لا أكثر.

في تعز فقط يمكن لشخص واحد وجماعة واحدة أن تقرر مصير محافظة يقطنها 4 ملايين مواطن وهذا العدد سيجد نفسه مجبرا على ممارسة العناد والقبول بأمر الواقع ولن تغيير الأصوات الرافضة شيء في المعادلة، ولهذا لن تجدي محاولات "الحوثيين " اخرس المدينة وإجبارها على الإذعان لشرعيتهم مهما بلغت القوة والجبروت المسلط عليها.

تدرك تعز أن من اتخاذ من أبنائها وعنها قرار المقاومة المسلحة للتواجد الحوثي في المدينة ليسوا كراما برره وليسوا أنقياء اتقياء وأنهم جزء من وجعها المستمر والمتواصل على مدى عقود، لكنها أيضا رغم هذه المعرفة لن تتخلى عن مجانينهم لمجانين أخرين قدموا المدينة على ظهر دبابة أو مدرعة أو طقم شبح، ليس حبا بمجانينها؛ ولكن رفضا لكل ما من شأنه أن يحسب يوما على أنه رضوخا واستسلام.
تعز لن تستسلم بسهولة أبدا مهما جمع لها من قتلة أو قساوسة من سياسيين أو عسكرين من مجانين أو عقلاء، ووحدها تعز من بين مدن اليمن من تقرر ماذا تريد؟ وكيف تريد؟ وفي أي حين تريد؟

أحبت الحمدي رئيسا لليمن وحين مات شهيدا ضلت تعز تحبه وحفاضا على عذرية ذلك الحب لم تسمي شارعا باسمه، أنجبت عبد الفتاح إسماعيل وقذفت به إلى عدن وعادت لتحارب معه سنوات طويلة حاربت فيها حتى نفسها، ومع ذلك تتصفح كل معالمها وشوارعها وأزقتها ولن تجد شارعا يحمل اسم الرجل.

تعز توأم ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لكنها المدينة الوحيدة التي أطلقت تسمية شارع الحب على شارع الثورة 26 سبتمبر.

في تعز ومن تعز فقط ستسمع أصوات الكارهين "للحوثيين" ومنها وفيها فقط ستسمع أصوات المؤيدين لهم ولن تجد هذا التناقض المدهش المحير في عداها مدينة ولن تجد في غيرها إلا كارهون للحوثيين مرة واحدة، أو يحبونهم مرة واحدة.

ووحدها تعز من تتعطى السياسية كأفيون وتؤمن بها كمبادئ غير قابلة للنقاش فيما لم يعد هناك أحد يفعل ذلك ولهذا ستحارب تعز طويلا وأطول مما قد يتصوره عاقل.

تعز المدينة الواحدة التي لم تعد تؤمن بالشيخ القائد أو القائد المحتجب خلف ستائر الغموض ومجلدات التنظير ومكاتب السمسرة السياسية، فقد عفت كل الأصنام، ولكنها في أوقات الحاجة تصنع صنمها في الميدان، تصلي حوله وتقضم من أطرافه ما يسد حاجتها، وحين تنهي حاجتها لذلك الصنم سيكون قد انتهاء تماما، لهذا يعاملها الجميع كحالة شاذة لا يمكن أن يؤمن مكرها يوما، ويتعاملون معها بجفاء منقطع النظير، وهي لا تأبه للجميع؛ ولهذا كله لم يفهم الحوثيين طبيعة هذه المدينة ولا كيف يروضون جموحها؛ فضنوا أن مجرد كرهها لبعض السياسيين والقادة وحبها لأخرين يمنحهم تصريح العبور على جراحات المدينة كيفما أرادوا ومتى أرادوا، دون أن ينتبهوا إلى حقيقة أن تعز التي كانت يوما ما تقف بكل جبالها وبشرها خلف سلطان السامعي متباهية به ستقف حين وصولهم خلف حمود المخلافي وإن كانت حتى الأمس تنظر إليه كشخص كان من المفترض الا يكون من أبنائها.

تعز ليست أي مدينة يمنية فهي لا تبني مواقفها على تاريخ الأمس وأحداث الأمس ومواقف الأمس، لكنها تضع مواقفها وفقا لمتطلبات اللحظة التي تجد نفسها فيها لهذا لن يجدي معها نفعا وصفها بالداعشية او القاعدية أو الإخوانية أو حتى المدينة الإرهابية، وهذا ما كان المخلافي يفهمه فجازف بالمدينة إلى حرب لاترحم، جازف بها بكل ما تحمله الكلمة من معنى، جازف بها وهو يعلم جيدا أن تعز ستقف معه إلى أبعد حد لا يمكن لشخص من خارج تعز أن يتخيله وأنها حين تتجاوز هذه المحنة تمتلك أساليبها وطرقها وأدواتها في محاسبته لكنها لن تستسلم اليوم ولن تستسلم غدا فهلا فهم الحوثيون ذلك وأبعدوا أصابعهم عن الزناد؟؟
فجر الجمعة 14 أغسطس 2015
في الجمعة 14 أغسطس-آب 2015 04:16:21 ص

تجد هذا المقال في المركز اليمني للإعلام
http://yemen-media.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://yemen-media.com/articles.php?id=412