البحث عن دور للبرلمان في معمعة الواقع الجنوبي
حسين اللسواس
حسين اللسواس

Al_leswas@hotmail.com

لا يدخر الرئيس هادي جهداً في الاضطلاع بمسؤوليات جمة ففي المربع العدني لا يبدو ذلك الإرث الحكومي الذي يمنح الحاكم سهولة التعاطي مع الأحداث أيا كان نوعها بالاستناد الى مؤسسات وهيئات قائمة بذاتها حاضراً في المشهد واعني هنا مؤسسات وهيئات لا ينقصها سوى تنفيذ التوجيهات أو تمرير القرارات.
ورغم إن عدن كانت حاضرة تاريخ وتمتد جذور الدولة فيها الى عقود خلت إلا إن الموروثات الماضوية الجنوبية لا تبدو -بسبب الأحداث الطارئة- عليها كافية حيث تؤكد وقائع الأحداث قيام هادي بجهود في اتجاهات عدة أما لإعادة لملمة جانب من تلك المؤسسات الموجودة فعلاً أو لإعادة بناءها وتأهيلها ودفعها باتجاه مبارحة التحنيط الإجباري المفروض على عدد منها "كنتاج لعوامل كثيرة" ليست في معرض تناولتنا هذه.
في صنعاء يختلف الحال كثيراً اذ ثمة تركة كاملة للدولة تمنح الحاكم فسحة التقاط الأنفاس وترفع عن كاهله الاستغراق في إعادة بناء المؤسسات وإعادة تنظيم الهيئات وإبلاغها مراحل الجهوزية والقدرة على الأداء والعطاء.
ورغم أن الرئيس هادي خلال مراحل سبقت قام بإعادة جانب من تلك المؤسسات الى مربعات التفعيل الا إن ثمة ما يشبه الإغفال لمؤسسات أخرى لم تحظى بحقها الطبيعي والواقعي في مغادرة مواقع التجميد والعودة التقليدية لممارسة المهام وتلقي جانب من الأعباء والقيام بأدوار إسناد يبدو الرئيس وطاقمه في مسيس الحاجة إليها.

تخفيف الأعباء الرئاسية

عقب عودته واستقراره في عدن اعتقد البعض إن الرئيس لن يغفل بعض المؤسسات وسيسعى الى دفعها لمبارحة تموضعات التوقف والتجميد باتجاه التفعيل ومباشرة المهام والواجبات المفروضة عليها.
توقع البعض من هادي -على سبيل المثال- ليس أكثر دعوة مجلس النواب الى عقد جلسة له في عدن ليس لمباشرة مهام أعماله كسلطة تشريعية فحسب بل ولغايات تتصل بأهمية إعادة الاعتبار لمؤسسة وضعها الحوثيين في القائمة الأولى للستة الاستهداف منذ مرحلة ما بعد سقوط صنعاء وما تبعها من إعلان هزيل الشكل والمضمون تضمن محاولة تتصف بنعوت السخف وانعدام المسؤولية لتعطيل هذه المؤسسة التي انتخبها الشعب اليمني واختارها بإرادة حقيقية عبر صناديق الاقتراع بوصفها معبرة عن لسان حال الناس ومعنية بمتابعة كل ما يهمهم وتحقيق ما يتطلعون ويصبون اليه.
على ان تلك التوقعات مع الاسف الشديد لم تبلع مراميها في الوصول الى مرحلة من إقرار الدعوة الرئاسية لانعقاد البرلمان ولو حتى في جلسة استثنائية.
الأبعاد المتصلة بإعادة الاعتبار لهذه المؤسسة التي طالتها يد الحوثي بمصير الحل الغير مشروع أو مجاز والمستنكر لا تبدو تعليلاً وحيداً لدعوة الرئيس الى عقد جلسة للبرلمان بعدن.
قوائم الهموم والأجندة اليومية بموازاة الاداءات الرئاسية ومستويات ما يُبذل رئاسياً من جهود كل تلك مبررات وتعليلات تدفع الرئيس للاعتناء بهيئات بوسعها تخفيف مستوى الأعباء الرئاسية التي تبدو ثقيلة الميزان.

صك تأييد شعبي للحرب

البرلمان ليس مجرد مؤسسة لإطلاق العنان للآراء والمقترحات فحسب، ما يضمه من كوادر وشخصيات وما لديه من صلاحيات وسلطات كل تلك خطوط عريضة بوسعها تقديم مستويات رائعة من المساندة لهادي ولجهوده ولأداءاته وأعماله.
قد لا يعرف البعض إن في البرلمان ما يسمى باللجان وهي جهات معنية ببحث القضايا مباشرة من الميدان ومكان وزمان الحدوث واتخاذ قرارات والقيام بمعالجات مباشرة أحيانا لها.
وإذا كان أعضاء الحكومة هم المعنيون بالمسائل التنفيذية فان اداءات اللجان بوسعها القيام بأدوار موازية او مكملة للأعمال والأنشطة التنفيذية بما يساعد الحكومة على طي ملفات وانجاز واقع من الأداء.
مع ان هنالك من ينظر الى الدور الرقابي كدور إعاقي الا انه بالنسبة للبرلمانات الحريصة على ديمومة أي مسيرة يساعد على تقويم الأمور وعدم السماح بسيادة الترهل والضعف والتضعضع والدفع باتجاه انجاز أكثر روعة لاسيما إذا ما علمنا أن أجندة هادي يصعب أن تسمح بهامش للقيام بادوار رقابية على الاداءات الحكومية المختلفة.
واقع الأمر إن عوائد دعوة البرلمان للانعقاد في عدن لا تقتصر على ذلك فحسب اذ بوسع الرئيس أن يحظى بمباركة شعبية للحرب ولما تقوم به قوات التحالف المسنودة بالجيش الوطني والمقاومة الشعبية عبر مجلس النواب الذي يمثل خيارات وإرادات الأمة اليمنية جمعاء وهو ما يمنح تحركات هادي ودول التحالف مشروعية ذات بعد شعبي ووطني ربما لم يكن بالإمكان الحصول عليها لولا التئام البرلمان في جلسات انعقاد بعدن.

لملمة شتات الدولة

في حالات كالتي تمر فيها البلاد يشعر الحاكم أحيانا بضرورة الإنصات الى الرأي والمشورة ومع إن طوابير المستشارين عادة ما تؤدي مثل هذا الدور إلا إن البرلمان سيكون في تموقع الحصان الأسود الذي بوسعه إثراء هادي بالآراء والأطروحات والمقترحات التي ربما لم تكن لتخطر على بال أبدا.
آنف التعليلات ليست كل شيء في واقع الأمر اذ إن إعادة الاعتبار للبرلمان وانعقاده في عدن يعني إن الرئيس استطاع تجميع شتات الدولة وتقويم منظوماتها المؤسساتية وتبديد إجراءات الطرف الآخر على طريقة: وكأنها لم تكن.
فبانعقاد البرلمان يكون هادي قد استعاد جل مؤسسات البلاد وشرع في الاتكاء على كيان الدولة الذي سيغدو بالبرلمان حاضراً بمجمل هيئاته الرئيسية وهو ما يُجسد انجازاً لهادي بحد ذاته.

من شرعية أحادية الى شرعيتين

متوالية التعليلات في واقع الأمر تمنحنا بعداً أخر، فالرئيس وقوات التحالف يقاتلون تحت راية الشرعية وبما أنها حتى الآن شرعية قائمة للرئيس بوصفه منتخباً من الشعب إلا إنها بانعقاد البرلمان الشرعي والمنتخب لن تكون شرعية أحادية الجانب إذ بدخول البرلمان ماراثون العطاء والأداء تكون الشرعية الأخرى "الشعبية" قد حققت التقاء يمنح المصطلح مزيداً من البريق والاقتراب الحقيقي من الشعب الذي سيكون بانعقاد المجلس قد ابلغ صوته عبر نوابه في تأييد كل خطوات هادي وادعاءاته وأعماله.
لكل التعليلات الآنفه نقول لماذا لايبادر الرئيس هادي الى عقد جلسة للبرلمان في عدن ولو حتى بشكل استثنائي.
لاشك إن خطوة كهذه ستكون لها تداعيات ايجابية تمنح هادي امتياز السعي الى إعادة كيان الدولة والحرص على عدم تغييب صوت الشعب في ظل اعتلاء وغى المعارك وطغيان لعلعة الرصاص عندها سيكون الرئيس قد حقق انجازاً يضاف الى ما شرع به منذ أن قرر ألا تكون الدولة فريسة للمشاريع الصغيرة وأسيرة لعبث وانتهاكات سلطة الأمر الواقع التي لم تأت بمشروع لإسناد الدولة بقدر ما جاءت بأيديولوجيا واداءات هلامية تستهدف واقع الدولة وتسعى للانقضاض عليه وتحجيمه الى مداءات تجعل اليمن في تصنيف الدول التي لم تصل بعد أعتاب مرحلة الدولة ولم تغادر تصنيف الأدغال وعوامل البقاء في واقع ما قبل القرن الواحد والعشرين.

في السبت 11 يونيو-حزيران 2016 12:55:20 ص

تجد هذا المقال في المركز اليمني للإعلام
http://yemen-media.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://yemen-media.com/articles.php?id=462