|
ظاهرة غريبة لمن لم يطلع على التاريخ ويعي دروسه، لكنها متوقعة لمن لديه الحد الأدنى من تلك المعرفة، أتحدث عن خروج اليمنيين ليحتفلوا بالذكرى الـ 35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام.
***
لا أبالغ إذا قلت أنها ثورة بيضاء، ثورة هوية، ثورة شعب استعاد ذاكرته الوطنية، ليبعث برسالة لجماعة سطت على السلطة والدولة واليمن أرضاً وإنسان، في لحظة غفلة وضياع وتشتت وغياب لمشروع اليمن الجمهوري ***
ليسوا كلهم جماهير المؤتمر، إنهم الشعب، الذي لم يجد أمامه من حامل لمشروع اليمن الجمهوري غير حزب المؤتمر، بعد أن وجد أن الخيارات أمامه باتت محدودة، ومحصورة بين أحزاب وجماعات طائفية متصارعة ومتناحرة، وكل منها له امتدادات خارجية، سياسية وعقائدية وصراعية، وأحزاب وطنية أصبحت هامشية، بعد تجريف واسع للحياة الحزبية والمدنية لعقود، لم يصمد منها الا حزب المؤتمر لعدة اعتبارات لا مجال للحديث عنها في هذه العجالة من القول.
***
مشهد وحيد سأنقله لكم من داخل صنعاء، كما وصلني، سيكفي لتصلكم رسالة هذا الشعب العظيم. ففي خضم الأسبوع الاحتفالي ما قبل يوم الحشد الأعظم، 24 أغسطس، وفي شوارع صنعاء، وبينما المواطنون يمرون بسياراتهم وأعلام الجمهورية وحزب المؤتمر ترفرف على وقع أغاني أيوب طارش عبسي والأناشيد الوطنية والحماسية، وكأنهم في عُرس جماعي للملايين، تقف سيارات حوثية قليلة ووحيدة وعليها بعض المنتمين للجماعة، ترفع شعار (الصرخة) وبعض الزوامل التي تنادي (لبيك يا سيدي عبدالملك)، ومصبوغة باللون الأخضر وشعارات طائفية عن (القرآن الناطق) و(عَلم الامة) و (ولي الله) محاولة تجييش المواطنين لفعالية جماعة الحوثيين التي أعلنوا عنها في نفس التاريخ، دون أن يلتفت لها أحد، فالناس في عُرسهم ماضون، وسيارات الحوثيين وأتباع الجماعة كالأيتام يقفون على قارعة الطريق فشلوا في بيع طائفيتهم وسلاليتهم وكهنوتهم بعد أن سقطت كل شعاراتهم التي غرروا بها على الناس، في مشهد مهيب ودرس تاريخي عظيم من شعب عظيم يحتاج لمزيد من الدراسة والبحث.
***
اعتقدت جماعة الحوثي عندما فُتحت لها أبواب صنعاء –نتيجة لصراع مراكز قوى- أنها أمام تمكين الاهي، ما جعل الجماعة تتنكر لكل ما قدمته من رؤى سياسية مدنية حداثية متقدمة في مؤتمر الحوار الوطني، عندما كانت لا تزال في صفوف المعارضة، واندفعت لأدلجة الشعب والمؤسسات وحتى جدران وأرصفة وجوامع صنعاء وباقي المناطق التي سيطرت عليها، وظهرت بشكل طائفي فج استفز مختلف مكونات المجتمع، وأصدرت سلسلة من التعيينات السلالية التي ذكرت الشعب بنظام التمييز الطبقي والعنصري ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م، وأكملت الجماعة جريمها بشروعها في تعديل المناهج وعقيدة الجيش والأمن عبر دورات تدريبة في ما يسمى بـ (الثقافة القرآنية) والإيمان بـ (القرآن الناطق) و (عَلم الأمة) و (ولي الله) عبدالملك الحوثي، كما يتم ترديد ذلك في قسم الطاعة عند الالتحاق بالحركة أو عند تأدية فعالياتها الخاصة.
***
سكت المواطنون على تلك الممارسات، ليس لأنهم راضون عنها، لكن لظروف الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية وقصف طائرات التحالف وفشل شرعية هادي في تقديم نموذج مشرف في أي من المناطق التي تُصنف أنها تحررت من جماعة الحوثي، تلك الظروف أسكتت الناس لحوالي ثلاث سنوات، إضافة الى غياب قوة سياسية أو تحالف يحمل مشروع اليمن الجمهوري في مواجه يمن الإمامة الذي تجسد في ولاية فقيه صعدة.
***
وجد المواطنون في احتفالية المؤتمر بعيده الـ 355 فرصة ذهبية للتعبير عما يختلج في صدورهم من جماعة الحوثي، دون أن يدخلوا في مواجهات معها، فلبوا النداء وخرجوا بالملايين، فوجدت جماعة الحوثي نفسها يتيمة في مربع جغرافي طالما اعتقدت وأعتقد الكثير غيرها، في الداخل والخارج، أنه حكر على مذهب معين أو نظام حكم معين، أتحدث عما يصفه البعض بـ (الهضبة) أو (منطقة أعالي اليمن) أو (شمال الشمال)، التي ظُلمت كثيراً بجريرة لا ذنب لها فيها، الا بسبب الجغرافيا، ولأنها كانت في قلب العاصفة والصراع السياسي ومركز القرار.
***
وباختصار، وحتى لا أطيلا عليكم، فمشهد اليوم 244 أغسطس، هو في حقيقته صراع هويات أكثر منه صراع سياسي على مناصب إدارية في الدولة أو بسبب خلاف في وجهات النظر، إنه أعمق بكثير، إنه صراع بين مشروع وأسلوب حياة وثقافة نظام حكم كهنوتي سلالي عنصري حكم اليمن لعدة قرون، وبين شروع اليمن الجمهوري الوليد ذو الأربعة وخمسون ربيعاً، وما حزب المؤتمر الا جزء من محور اليمن الجمهوري شاءت الأقدار وظروف الصراع أن يتصدر المشهد، فالتفاف المواطنين حوله؛ كبار؛ صغار؛ شباب؛ شابات؛ نساء؛ رجال؛ أطفال؛ مدنيين؛ عسكريين؛ مسؤولية كبيرة على عاتق الحزب مستقبلاً؛ وعليهم ادراك أن الشعب منحهم فرصة أخيرة؛ ومن المهم أن يحسنوا التصرف؛ وينتصروا لمشروع اليمن الجمهوري ؛ الأكبر من كل التصنيفات والعصبيات؛ اليمن الأكبر من الأشخاص.
في الجمعة 25 أغسطس-آب 2017 03:04:53 ص