|
"إلى عبد الباري طاهر وأحمد قائد الصائدي: لا تلفتا للضباع، فلم يخلق الله لضبع قامة".
..........................................................................................................
هناك مجموعة صغيرة من الكتبة المحسوبين علينا كتَّابا رغم أنوفنا لا شغل لهم سوى تكرار ما كتبوه منذ سنوات مضت دون أن يعيدوا فيه النظر، وكأن الواقع لا يتغير أو كأنهم يعتقدون أن القارئ لن يلاحظ عليهم تكرارهم الممل.
وبعض هؤلاء الكتبة لا يفعل شيئا أكثر من تغيير عناوين مقالاته القديمة وتسويقها بأسماء مستعارة يغير فيها ويبدل وأحيانا يضفي عليها ألقابا أكاديمية لتبدو براقة.
والحقيقة أن تسويق المكرور هو مبلغ جهد هذا البعض في الدعوة إلى ما يزعمه من تغيير وتنوير، والأنكى من كل ذلك أن هذا البعض بلغ في استخفافه بالقارئ حدا لا يطاق مزايدا –حد القرف-في قرع طبول الحرب واستنكار كل صوت يمقتها ويدعو للسلام، وهو حين يقرع ويستنكر يفعل ذلك وهو جالس في بيته وسط أهله وذويه، ومع ذلك يدعي –بلا حياء-الشجاعة والبطولة متناسيا أنه أجبن من أن يعبر عن آرائه بأسمائه الحقيقية وأنه يتستر على جبنه هذا بأوهام النضال السري الذي طالما استفاد منه وما يزال إلى اليوم.
ولشدة ما يكره هذا البعض دعاة السلام ويدافع عن الحرب يحس المرء أنه إزاء حالات تعاني من المرض والتشوه وانعدام السوية. كيف لا؟ والسلام -في كل الأحوال-شأن يخص كل يمني من الخفير إلى الوزير وبخاصة السواد الأعظم من الشعب الذي فرضت عليه الحرب في جانبي الصراع ولو أتيح له أن يستشار فيها أو يستفتى عليها فإنني أجزم يقينا أنه سيقول بصوت عال "لا للحرب".
أما الحرب فإنها تخص النافذين في طرفي الصراع فقط وكل منهما يدعي أنه على حق والآخر على باطل ولا ينظر إلى الضحايا ممن لا يؤمنون بالحق الذي يراه ويدعيه هذا الطرف أو ذاك.
ونحن حين نقول هذا لا نساوي بين طرفي الحرب لعلمنا أن القانون وحده هو الذي يساوي بينهما أو لا يساوي وليس الأمزجة والشعارات والتحيزات الأيديولوجية والجهوية والمذهبية، فلربما ارتكب الطرف الذي يدعي الدفاع عن الشرعية من جرائم الحرب أضعاف ما ارتكبه الطرف الخارج عليها.
كما أن نقدنا لطرف لا يعني أن الطرف الآخر على صواب، فالسلام لا يستثني أحدا من طرفي الصراع ولا يبرر لأحد منهما أفعاله الشنعاء وإنما يهدف لاستنقاذ ما يمكن استنقاذه من مقدرات اليمن المادية والبشرية وإيقاف طاحونة الحرب وترميم ما تبقى من مؤسسات الدولة لصالح المواطن اليمني وليس لصالح السلاح الذي يقتلنا من الداخل ومن الخارج.
وحين نقول "لا للحرب" فإننا نقولها لكل المستفيدين منها بصرف النظر عن الاصطفاف الذي هم فيه والجبهة التي يديرونها. فلماذا يظن بعض المرضى والمشوهين أن فريقا سيستفيد من وقف الحرب وفريقا سيخسر؟ لماذا يريد هؤلاء أن نكون مع الحرب ونحن لم نتخذ قرارها ولم نُستشر فيها وليس لنا فيها مصلحة عاجلة أو آجلة وإنما مصلحتنا ومصلحة أبنائنا في السلام.
لماذا يتهم دعاة السلام بالجبن بينما هم مستهدفون من طرفي الصراع كلما رفعوا صوتهم عاليا في وجه الحرب وتجارها ومسعريها إيمانا منهم بأن اليمن يتسع لكل اليمنيين... ثم لماذا يقرر هذا الطرف المحارب أو ذاك أن من ليس معه في حربه هو مع خصمه بالضرورة؟
أما الشرعية التي يدافع عنها الكتبة المحسوبون كتابا فليست شيكا على بياض، والدفاع المزعوم عنها بحجة أنها ما تبقى من الجمهورية دفاع مدلس، فالجمهورية تُحمَى بوعي جمهوري وبمشروع جمهوري وليس بشعارات أو بالدفاع عن مناصب أو بالبحث الرخيص عن مصالح عاجلة أو آجلة. والوعي بالجمهورية إذا توفر لا يمكن أن يسقط بسقوط فلان من الناس أو بقائه. والرمزية المدعاة لهذا أو ذاك لا يمكن الدفاع عنها إذا كانت هي لا تدافع عن نفسها ولا تقدم ما تنتصر به لحق لمواطن اليمني في الحياة. فأي شرعية هذه التي لا تتخذ قرار السلم ولا قرار الحرب –ولو شكليا-وهي قرارات سيادية، وتترك أنور قرقاش يقرر نيابة عنها. وماذا بقي من مصداقية هذه الشرعية إذا كانت تقبل بإعادة تدوير طارق عفاش وهي تعلم أنه أحد ضلعي الانقلاب وأنه لم يعترف بها حتى هذه اللحظة. ثم ما هو المسوغ الوطني والقانوني والإنساني الذي يجبر الشرعية على القبول بطارق عفاش؟ ما الذي يجبرها على إحياء الموتى والامتناع عن مد يدها للأحياء في تعز على سبيل المثال.
وعلى افتراض أن قطاعا من الشعب اليمني رحب في ظرف ما بالتحالف العربي وقال على مضض "شكرا سلمان" فذلك كان ظنا منه أن هذا التحالف ملتزم بالمبادرة الخليجية ويحترم مقررات مؤتمر الحوار الوطني وأنه جاء للضرب على أيدي بعض الحمقى، ولكن اتضح أنه أضاف إلى الحمقى حمقى آخرين يهددون وحدة الأرض اليمنية وسلامتها ضدا على قرارات الشرعية الدولية، وانخرط في لعبة لا نهائية لم نرَ فيها حتى الآن غير الفوضى وإقلاق السكينة العامة في المناطق المحسوبة محررة حيث تفتقد الشرعية التي يدعي التحالف العربي أنه جاء ليحميها إلى أدنى احترام. فهل من الجائز بعد هذا أن نلوم من ينتقد الشرعية ويطالبها بتصحيح الوضع مع التحالف أو الذهاب إلى اجتراح حل يمني-يمني من أجل السلام وإنهاء مأساة المواطن اليمني الذي جوَّعته وشرَّدته سنوات الحرب التي لا ناقة له فيها ولا جمل.
ولو أن هناك توجها مخلصا في الدفاع عن الشرعية وتمكينها من العودة لرأينا ذلك متجليا في الخدمات المقدمة للمناطق المحسوبة محررة وصرف رواتب الموظفين في تلك المناطق وبسط الأمن وإعادة تجهيز مطاري العند والريان ودعم قوات الشرعية بطائرات حربية بإدارة يمنية تمكنها من تحقيق التفوق على الانقلابيين. ولو أن النية خالصة للدفاع عن الشرعية لما رأينا المشاريع الصغيرة تطفوا على السطح على شكل أحزمة أمنية وجيوش نخبوية جهوية وأيديولوجية جميعها خارج سلطة الشرعية التي يأخذ رمزها الإذن من أبو ظبي كلما أراد العودة إلى عدن. هل هكذا تستعاد الدولة؟ هل هذا هو الدفاع عن الجمهورية؟
كفى مزايدة بالجمهورية وبالشرعية. كفى مزايدة بالدفاع عن مشروع عروبي في مواجهة مشروع فارسي. فالحوثيون أعجز من أن يحكموا اليمن وأن يفرضوا أنفسهم على اليمنيين بالقوة بعد ثورة فبراير 2011 التي أسقطت كل حواجز الخوف وأثبتت أن النضال المدني السلمي هو الأكثر فعالية. وحتى في حال المواجهة المسلحة لا يحتاج اليمنيون إلى رمزيات مُصادرَة، ولهم في الشدَّادي ومفرح بحيبح خير مثال، فالرجلان انخرطا في المواجهة المسلحة ضد الانقلابيين وعبد ربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية في شارع الستين ولم ينتظرا الإذن من أحد ولم يفتشا عن غطاء شرعي وإنما جمعا المال دينا من الناس لشراء السلاح وجلبا المقاتلين من كل اليمن وها هي مأرب اليوم لكل اليمنيين جنوبا وشمالا وبغير جيش للنخبة المأربية. كما أن تجربة الدفاع عن الثورة والجمهورية وفك الحصار الذي طوق صنعاء من كل الجهات مازالت ماثلة في الأذهان، والنصر حينها تحقق بقوة المشروع الوطني وليس بغطاء شرعي من أحد ولا بميزان القوى الذي كان لصالح الملكيين بفارق كبير.
هل من رجل رشيد في هذا البلد يستطيع أن يقول لنا بشجاعة ما مصلحة المواطن اليمني في تهامة ومدينة الحديدة من حرب الساحل الغربي التي شردت الآلاف من الفقراء والمعوزين الذين لا يملكون قوت يومهم ولا يستطيعون احتمال كلفة الحرب ليوم واحد، ولو خيروا بين جحيم الحوثي ونيران التحالف لاختاروا جحيم الحوثي قياسا بما رأوه في كل المناطق التي توجهوا اليها، ففي الجنوب منعوا من حق النزوح هربا من الموت والجوع بحجة أنهم شماليون، وفي الشمال لم يجدوا من يكترث لمأساتهم ويوفر لهم شروط نزوح تليق بإنسانيتهم.
لقد تعودنا من الشرعية/ التحالف فتح جبهات تطول فيها الحرب بغير حسم وبغير خطط واقعية لرفع أضرارها عن المواطنين. فلماذا كل هذا الولع بالحرب إذن؟ أيقال بعد كل هذا الذي رأيناه لسنوات: لابد أن تستمر الحرب وتدان كل دعوة للسلام تحاول أن تحفظ ما تبقى من دم المواطن اليمني وقوته؟ إن دعاة السلام في نظر الانقلابيين "طابور خامس ومنافقون يضعفون الجبهة الداخلية"، أما الشرعية فتسميهم "متواطئين مع الانقلاب وأدعياء الحياد خوفا أو انتهازية" ولا أحد في الجانبين أعطاهم منبرا للتعبير عن أصواتهم ولا أحد مستعد أن يسمع صوت سلميتهم وكأن هناك اتفاقا ضمنيا بين تجار الحروب في طرفي الصراع على أن ينخرط كل اليمنيين في الحرب.
في الإثنين 16 يوليو-تموز 2018 08:34:03 م