معن بشور: حزيران/يونيو١٩٦٧-٢.١٨ من مفكرتي: هزائم وانتصارات العرب
الموضوع: ثقافة

-1-

9 و 10 حزيران 1967

 

العبور الأول

بالشجاعة التي كان جمال عبد الناصر يتخذ فيها قرارات حاسمة في مسيرة بلاده، أخذ قراره في اليوم الخامس لنكسة حزيران 1967 بالتنحي محملاً نفسه المسؤولية الكاملة عما جرى في الحرب العربية – الإسرائيلية الثانية.

وبالوعي الذي تميّز به شعب مصر والأمّة العربية كلها في المنعطفات التاريخية، خرجت الملايين من أبناء الكنانة والوطن الكبير ترفض استقالة قائدها مدركة أنه كان مع سوريا أول المستهدفين بتلك الحرب، وأصرّت معه على استكمال مسيرة إزالة آثار العدوان.

كان التاسع والعاشر من حزيران 1967، حين فرض شعب مصر وجماهير الأمّة على جمال عبد الناصر التراجع عن الاستقالة، يومين للعبور الأول، العبور الشعبي لقناة السويس المحتلة، سبق العبور الثاني العسكري في أكتوبر 1973، ومهد له على كل المستويات.

في ذينك اليومين، أدرك المخططون لحرب 1967 وداعموهم ومشجعوهم أنهم أمام قيادة من نوع خاص، وأنها قيادة محصنة بشعبها وأمّتها أمام كل أنواع الهزائم والنكسات، فلا المال، وهي المحدودة الإمكانات يفسر شعبيتها، ولا القمع يفسر خروج الملايين داخل مصر وخارجها للمطالبة بعودة ناصر عن استقالته، فالأجهزة الأمنية لم تكن موالية له، وبعض أركان النظام وأغلب مراكز القوى فيه كانوا ينتظرون فرصة سانحة للتخلص من القائد التاريخي، وإذا كان لهؤلاء تأثيرهم داخل مصر، فكيف نفسر خروج الملايين عفوياً في الشوارع العربية تطالب ببقاء القائد على رأس مسؤولياته.

إنها لحظة تاريخية تحتاج أسبابها إلى تفسير عميق، رغم كل محاولات الشيطنة التي أرادت النيل من علاقة القائد بشعبه، ورغم الثغرات والسلبيات التي أحاطت بالتجربة الناصرية ذاتها، بل هي لحظة تؤكّد لكل حكامنا المراهنين على واشنطن وتل أبيب لبقائهم في عروشهم، أن الرهان الأجدى والأبقى والأسلم يبقى الرهان على الشعوب التي ما انتصرت لقائد إلاّ واعتزّ، وما تخلت عن حاكم إلاّ واهتز.

9 و 10 حزيران 1967، ليسا يومين من الماضي بل هما يومان من الحاضر، بل من المستقبل أيضاً، ففيهما من الدروس والعبر ما يمكننا اليوم بدراستها، من مواجهة كل أزماتنا…

9 و 10 حزيران 1967 يومان لعهد بين القائد وشعبه، فلا القائد خان الأمّة، ولا الشعب خذله لحظة الامتحان العسير…

9 و 10 حزيران يومان للكرامة الوطنية والعنفوان القومي خالدان في وجدان الأمّة وضمير الناس، لذلك لم يكن صدفة أن يكون جمال عبد الناصر “أبا خالد”.

-2-

في يوم القدس العالمي

القدس والعودة

عنوانان للحق الفللسطيني لا يمكن التفريط بهما بل عنوانان تنصب كل المؤامرات والصفقات لتصفيتهما وهما عروبة القدس وحق العودة …اليوم تلتحم مسيرة العودة بيوم القدس في لحظات تاريخية من حياة النضال من اجل فلسطين.

 

-3-

صفعة تلو اخرى

 الذين ظنوا انهم يدخلون الى التطبيع مع العدو من بوابة الرياضة…جاءتهم الصفعة لهم وللكيان الغاصب ولاصحاب صفقة القرن…من المنتخب الارجنتيني الذي رفض ان يلعب مع الفريق الصهيوني في القدس المحتلة بعد اقل من ثلاثة اسابيع من نقل السفارة الاميركية الى القدس..

     والذين ظنوا انهم يدخلون الى التطبيع من بوابة الفن جاءتهم الصفعة من المغنية العالمية شاكيرا التي رفضت اقامة حفلة مقررة في فلسطين المحتلة احتجاجا على المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطينية، تماما كما فعلت الممثلة الاميركية المولودة في عائلة اسرائيلية ناتالي بورتمان التي رفضت تكريمها في الكيان الصهيوني وتسلم جائزة مليون دولار بسبب الجرائم الصهيونية…

     اليست هذه المواقف والعديد غيرها درسا لاؤلئك المهرولين نحو التطبيع والمنظرين له….؟!!

    اليست هذه المواقف والعديد غيرها مؤشرا على دخول الكيان العنصري الغاصب مرحلة شبيهة لتلك التي دخلها نظام الابرتايد في جنوب افريقيا عشية انهياره..؟!!

حين اطلقنا في مطلع القرن الحالي دعوة لمقاطعة العدو وداعميه تحت شعار “قاطعوا ما استطعتم اليه سبيلا” ..ثم جاءت الBDS لتتحول الى حركة عالمية باتت ترعب الكيان الغاصب..

    وحين انعقد في بداية العقد الثاني من هذا القرن المنتدى العربي الدولي من اجل العدالة لفلسطين كان احد اهم محاوره التركيز على نظام الابارتيد الصهيوني وشارك فيه رفاق نيلسون منديلا لتصبح حركة وصم الصهيونية بالعنصرية ونظامها بالابارتايد حركة عالمية تضم شباب الجامعات الاميركية والغربية والتي نجحت بفرض مقاطعة اكاديمية للجامعات الصهيونية..وليأتي تقرير الاسكوا في اذار /مارس ٢٠١٧ ليثبت بشكل علمي عنصرية الكيان الصهيوني…

ان هذه الانتصارات ما كانت لتتحقق اولا لولا الصمود والنضال البطولي لشعب فلسطين الذي يفاجئ العالم كل يوم باساليب نضالية مبتكرة …من الحجارة الى الكاوتشوك الى سفن كسر الحصار الى الطائرات الورقية الى ال BDS نفسها…

-4-

 العقيد “صوت العرب”

والراحل أحمد سعيد

 

كان آخر اتصال بالراحل الأستاذ أحمد سعيد قبل أشهر حين كنا نسهر في منزلي في بيروت مع ثُلة من أصدقائي من المجاهدين الجزائريين كقائد الولاية الرابعة في الثورة الجزائرية سي لخضر بورقعة، وكعضوي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي المؤرخ د. مصطفى نويصر، وأحد أبرز رواد اسطول الحرية لكسر الحصار على غزّة عبد الكريم رزقي… وكان الحديث يومها عن دور مصر وعبد الناصر في مساندة ثورة المليون شهيد…

روى المجاهد يورقعة كيف كان “لصوت العرب” التي كان أحمد سعيد مؤسسها ومديرها، الدور الكبير في حث الجزائريين على الالتحاق بالثورة لدرجة أن الإذاعة قد أعلنت عن عملية نفذها ثوار الجزائر ضد القوات الاستعمارية الفرنسية في أحدى المناطق الجزائرية…

لم يكن الثوار قد نفذوا عملية حينها، لكن قائد المنطقة يومها العقيد صالح بوبنيدر قال: “لا يجوز أن تذيع “صوت العرب” خبراً غير صحيح، فهذا يمس بمصداقية الثورة، لذلك ينبغي أن ننفذ العملية”، وأطلق يومها على القائد الجزائري الميداني اسم العقيد “صوت العرب”، وبقي الجزائريون يرددون قصته وقصص أحمد سعيد المتعددة مع ثورة الجزائر وأبنائها الذين كانوا يسألون باعة الترانزستور إذا كان الترانزستور لديهم يذيع لأحمد سعيد، والذي كان أول من أذاع بيان ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 من القاهرة.

في الاتصال الهاتفي يومها اغرورقت دموع الأخوة الجزائريين وهم يتحدثون إلى أحمد سعيد، فيما كان صوته الجهادي يهدر بالقوة ذاتها التي طالما هدر رغم كل الأخطاء.

لم يكن صوت أحمد سعيد “صوت العرب” مؤثراً في الجزائر وحدها، بل كان مؤثراً في جماهير الأمّة من المحيط إلى الخليج لدرجة أن الكثيرين كانوا يعتبرون حدود الوطن العربي حيث يصل “صوت العرب”…

طبعاً تعرّض أحمد سعيد لنوع من الشيّطنة، لاسيّما بعد حزيران 1967، وحمل الكثيرون الإعلامي أحمد سعيد مسؤولية الهزيمة، لكن جزءاً من الحملة كان موجهاً إلى جمال عبد الناصر، القائد الذي آمن أحمد سعيد بنهجه، وإلى فكرة القومية العربية التي حمل أحمد سعيد رايتها، ولكن مع ذلك يبقى أحمد سعيد، برغم كل الأخطاء، رمزاً مدوياً لزمن عزيز على كل عربي…

رحم الله أحمد سعيد ابن 93 عاماً وقد أمضى جزءاً كبيراً في خدمة مصر والأمّة العربية.

 

-5-

 يوم المفقود العربي

 

       كان الخامس من حزيران/ يونيو 1982 هو اليوم الثاني من الحرب العربية – الاسرائيلية في لبنان، وكانت جحافل العدو بدأت تتقدم جنوبا في هجوم قيل ان هدفه ابعاد الصواريخ الفلسطينية عن مستعمرات الجليل الاعلى في فلسطين وكان رأينا ان هدفها هو الوصول الى العاصمة وتغيير المعادلة الحاكمة في لبنان.

       كان الشباب اللبناني والفلسطيني مع بداية الحرب في ذروة الحماسة للدفاع عن الوطن والثورة، وغص مقر تجمع اللجان والروابط الشعبية في المصيطبة، كما العديد من مقرات القوى والاحزاب والفصائل بالشباب المتطوع للذهاب الى الجنوب مدافعاً عن تراب الوطن… خصوصاً انه منذ الصباح وشباب اللجان والروابط الشعبية بيروت يجولون في احياء بيروت ومعهم بقايا طائرة اسرائيلية حربية سقطت في منطقة المصيلح وجاء بها مقاتلو رابطة مصر العروبة (مجموعة من المتطوعين المصريين للدفاع عن الجنوب والثورة الفلسطينية بقيادة المناضل محمد تيمور -ابو رضا-).

       لم يكن لدى تجمع اللجان والروابط الشعبية، الحريص على استقلاليته منذ تأسيسه، سيارات عسكرية، فعمدت مجموعتان من الشباب المتطوع تنتمي الى مناطق لبنانية عدة الى امتطاء سيارة مدنية للمسؤول العسكري في التجمع الملازم اول شوكت سليم، وسيارة بيك آب للمناضل محمد شهاب وتوجهتا الى الجنوب لتصطدما بانزال عسكري صهيوني قرب جسر الاولي ليتم اسر ثلاثة منهم هم الجريح محمد المعلم والمناضلان حمزة يزبك وهاشم ابراهيم فيما اختفى خمسة اخرون هم ابراهيم نور الدين وبلال الصمدي وحيدر زغيب وفواز الشاهر ومحمد شهاب الذين انقطعت اخبارهم كما اخبار محمد المعلم الذي شاهده رفاقه مقيداً ومقتاداً الى مروحية عسكرية صهيونية.

       ومنذ ذلك اليوم قبل 36 عاماً، وتجمع اللجان والروابط الشعبية يتابع أمر مفقوديه الستة مع كل الجهات المعنية، الرسمية والدولية، ويوجه المذكرات والرسائل اليها، دون اي نتيجة، حتى استقر الامر على اطلاق “يوم المفقود العربي” على السادس من حزيران من كل عام لتسليط الاضواء على الاف المفقودين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والمصريين وغيرهم في مقابر الارقام الصهيونية.

       “يوم المفقود العربي” يوم محفور في ذاكرتنا حتى نستعيد كل مفقود، ونحرر كل أسير، ونرفع علم فلسطين والعروبة فوق كل شبر من ارض فلسطين والعروبة.

 

-6-

 بدء الحرب العربية – الإسرائيلية الرابعة

4 حزيران/يونيو 1982

يحرص أعداء الأمّة، وفي مقدمتهم العدو الصهيوني، على توقيت حروبه على نحو يكرّس في ذاكرتنا أياماً بعينها، وكأنها أيام تفوقه، وأيام هزائمنا…

هكذا اختار الخامس من حزيران/يونيو 1967، يوماً لحربه على مصر وسورية والأردن، ولاحتلاله سيناء والجولان وغزّة والضفة الغربية ومعهم القدس، كما اختار الرابع من حزيران/يونيو 1982 يوماً لحربه على لبنان واحتلال ثلث أراضيه وصولاً إلى عاصمته الجميلة بيروت.

وهكذا اختار الخامس عشر من أيار/مايو 1948، يوماً لإعلان دولته العنصرية الإرهابية، واختار ترامب الموعد نفسه لنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة…

لكن لعبة المواعيد هذه لم تنجح تماماً مع العدو، فقد تحوّلت حرب حزيران 1967 إلى منطلق مواجهة مستمرة حتى اليوم بين الأمّة بمقاوميها وبين العدو وحلفائه البعيد منهم والقريب… تماماً كما تحوّل شهر النكبة (أيار/مايو) إلى شهر مسيرات العودة والمواجهة البطولية بين شعب فلسطين من تخوم غزّة إلى عموم فلسطين، وبين الاحتلال الجاثم على أرضه من سبعين عاماً…

وكما اختار العدو بيروت، عاصمة العروبة والمقاومة، منطلقاً لحربه العدوانية على لبنان عام 1982، عبر قصفه ظهيرة ذلك اليوم المدينة الرياضية، فقد اختارت المقاومة اللبنانية الظافرة بكل موجاتها بيروت لتكون منطلقاً لتحرير الأرض من الاحتلال، وعلى مدى 18 عاماً، دون قيد أو شرط…

واليوم وبعد 36 عاماً على رابع الحروب العربية – الإسرائيلية، وعلى غزو لبنان وليس “الاجتياح” كما يحلو للبعض أن يسمي حرباً، حصاراً استمر 90 يوماً في أطول وأعنف مواجهة دموية بين العرب والصهاينة، نستطيع أن نلمس الفارق بين زمن كان العدو يستطيع أن يتقدم في أرضنا متى يشاء، وحيث يشاء، وبين زمن بات يحسب للحرب مع لبنان وسوريا وغيرها من بلاد العرب والمسلمين ألف حساب، فلنقرأ التاريخ كما يجب أن نقرأه، لا كما يحب أعداءنا لنا أن نقرأه…

على مدى تلك “الحرب المنسية” الطويلة، كانت بطولات ومواجهات ومجازر يحتاج كل يوم منها إلى وقفة، لكن المهم في تلك الحرب إنها كانت، بفضل سواعد المقاومين اللبنانيين والثوار الفلسطينيين والجنود السوريين والمتطوعين العرب والأصدقاء، لحظة تحوّل في الصراع مع العدو، لحظة بدأت معها ملامح عصر انتصارات ما زالت مستمرة بإذن الله…

المركز اليمني للإعلام - رأي اليوم
الأحد 10 يونيو-حزيران 2018
أتى هذا الخبر من المركز اليمني للإعلام:
http://yemen-media.com
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
http://yemen-media.com/news_details.php?sid=33796