محمد يحيى الشامي
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed كتابات
RSS Feed
بحث

  
حينما يهاجر الوطن..!
بقلم/ محمد يحيى الشامي
نشر منذ: 8 سنوات و شهرين و 11 يوماً
السبت 06 فبراير-شباط 2016 01:02 م


أحرف كثيرة مبعثرة ومشتتة، تنبعث من حيث (اﻵه)، من حيث الوجع المر؛ وجع هو عنوان هذه اللحظات الكئيبة، واﻷيام العصيبة!!

  تتسابق الكلمات من منبعها الوحيد، وتتجه إلى مجراها الوحيد، لترسم لوحة أكثر قتامة، وتعكس واقعا مريرا في زمن التيه والخذلان.!!

  إنها أحرف قلب مكلوم يعتصره اﻷلم، لا يملك إلا أن يبوح بها..علها أن تنفس عنه ولو جزءا يسيرا مما يقاسيه، وتخفف عنه مايعانيه ويعتلج في داخله.!!

  آه..ما أشد وما أقسى تلك اللوعة التي ترافق الحديث عن الوطن.

نعم.. (الوطن)!!!

هنا حيث لا وطن، في هذه المساحة الكبيرة من اﻷرض الواسعة، حيث أقف حائرا مشدوها، أقف فيها وأنا أتأمل حال هذه اﻷرض المنكوبة، التي سماها أهلها ومحبوها وأبناؤها اﻷوائل(اليمن).

  أتلفت يمنة ويسرة، ﻻ شيء هنا يحكي وجوده سوى أطلال لمساكن كان أهلها يرسمون فيها أحلامهم على نغمات وترانيم ضحكات أطفالهم الصغار في أفنية المنازل، قبل أن تدمرها قذائف العابثين، وتبعثر براعم تلك اﻷحلام.!!!

  ﻻ شيء هنا في هذه الروابي والسهول، سوى وجوه مغبرة عابسة ﻷشخاص تحيط بهم روائح الموت وروائحهم النتنة، يتخطون رقاب اﻵمنين، يتنقلون من زاوية إلى أخرى، بحثا عن الوطن وعن أبنائه المخلصين..أو ربما عن بقايا وطن كان هنا، قبل أن يهاجر ليلتحق بمحبيه الذين سبقوه بالهجرة فرارا بحبه وخوفا عليه.!!!

  هنا فقط بقي الخراب والدمار ليحكي هول المأساة، فتتخلل ثنايا هذه الحكايا المؤلمة قصص يشيب لهولها الولدان.

فهنا بقايا ﻵثار مدرسة لتحفيظ القرآن لطالما انبعثت منها نفائس الرحمن، وسطرت فيها ذكريات إيمانية لشباب وفتيات هم صفوة مجتمعاتهم وقراهم، شباب تسكنهم السكينة، ويعلوهم الوقار، يروحون ويغدون وكأنهم طيور الفردوس اﻷعلى.

  وهنا أطلال مئذنة كانت لزمن طويل تصدح باﻷذان، وينطلق منها التكبير الخالص المجرد لله، ليشق صمت ليل بهيم، مؤذنا بصباح جديد حافل باﻷمنيات.

وليس ذلك التكبير المدهون بالسياسة، المشحون بالعمالة، الذي تستر خلفه المتربصون بهذا الوطن وأبنائه، ليمرروا من خلال ذلك الشعار مشاريعهم الخبيثة.

  لا شيء هنا غير طيور وحمائم وعصافير حائرة هائمة، فلم يعد لها مكان هنا لتبني أعشاشها، وترتل ألحانها، وترسل ترانيم أصواتها الشجية الندية، فلا مكان ولا أمان لها في ظل أصوات المدافع وأدخنة البارود، ولا صوت يعلو فوق صوت المدفعية.

هي اﻷخرى تبحث مثلي عن وطنها المهاجر، تبدو وهي قلقة مشتتة تماما كأحرفي وكلماتي، والتي ﻻ يجمعها سوى المعاناة والمأساة.

  عبرات وزفرات، غصص وآهات، تتسابق وتستبق كل منها اﻷخرى باتجاه هذه الروح المنهكة، المثقلة بجراحاتها المزمنة.!!

  وقفت وأنا أستعرض فصول المأساة التي حلت بهذا الوطن، وأرقب الشمس المحمرة وهي تدنو رويدا.. رويدا نحو الغروب، لتفسح المجال لليل قادم يلف بسواده اﻷفق.!

  وما هي إلا لحظات وإذا باﻷمل ماثلا أمامي كأنه نور السماء، جاء لينقذني من أمواج اﻹحباط المتلاطمة، ويربت على كتفي، ويمسح على صدري، ويعيد للروح روحها، حينها تذكرت أن هذه (الشمس) التي انسحبت.. ستشرق غدا من جديد.!!!

تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى كتابات
كتابات
أحمد عبدالمغني
فبراير.. سلمية الثورة
أحمد عبدالمغني
عبدالعزيز المجيدي
سيناريوهات الحسم، معركة صنعاء وملف تعز
عبدالعزيز المجيدي
خالد الرويشان
وقفْ وودّعْ ..مطهر الإرياني وداعا!
خالد الرويشان
أحمد عبدالمغني
الأم ودورها في تعزيز مكانة الأب
أحمد عبدالمغني
منى السعيدي
سياسة الأنا..ولعبة الموت..!
منى السعيدي
نبيل سبيع
رصاصتان وثلاث هراوات
نبيل سبيع
المزيد ..