جمعة الكرامة (قصة قصيرة )
الإثنين 21 مارس - آذار 2016 الساعة 04 مساءً / د وليد العليمي
عدد القراءات (1610)
نضال الباسم ، شاب ناجح ومكافح ، كان والده قيادي يساري ، وعندما رزق بنضال في بداية نضاله الثوري ، أطلق عليه هذا الأسم ، والذي يختزل أحداث مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، وما شهدته تلك المرحلة من ثورات عربية ، أطاحت بالحكم الإستعماري ، والحكم الرجعي الإستبدادي ، الذي كان يهيمن على بعض أقطار العالم العربي ، أُغتيل والد نضال في ظروف غامضة ، وهو في العاشرة من عمره ، الغياب الدائم والمبكر لأبيه ، لم يؤثر عليه كثيرا ً، في مسيرة حياته ، فقد أكمل دراسته الجامعية ، ولم يظطر لترك الدراسة من أجل السعى وراء لقمة العيش ، فقد كان يعمل موظفا ً إدرايا ً في مقر الحزب الحاكم ، بعد الظهر ، كان نضال عكس والده تماما ً ، فقد كان إنتهازيا ً إلي أبعد الحدود ، وبرجماتياً يدور مع المصلحة أينما دارت ، وكان تفكيره سطحيا ً ، وكان مقتنع بذلك تماما ً ، فليست لديه الرغبة لسبر أغوار ما يدور حوله ، وكان شعاره في هذه المسألة دائما ً ( ان هناك أشياء غيرمفهومة تحدث في الحياة ، والأفضل أن تظل كذلك ) ، وعندما إندلعت ثورة 11فبراير الشبابية عام 2011م ، لم يكترث لها من قريب أو بعيد ، وعندما أصدرت قوى النظام ، تحليلات ،وأحكام مسبقة ، عن شباب هذه الثورة الأبرياء ، تلقفها عقل نضال الباسم ، بلا تفكير، ولم يكلف نفسه عناء البحث والتحليل والمقارنة فيما يطرح حول هذه الثورة ، ولاكنه جعل الأخرين يفكرون بدلاً عنه ، وسلم عقله لهم ، ليسكبوا فيه ماشاؤوا ، وعندما جاء إليه صديق ، طفولته ، 


ودراسته سيف القادري يطلب ، منه الإنضمام الي هذه الثورة ، قهقه ضاحكا ً حتى برزت نواجذه ، وقال ( كيف أنضم لشباب ، دفعتهم القوى المعادية للوطن للخروج على الحاكم ، مقابل أثمان بخسة؟ ) سيف القادري (وهل تصدق مزاعم وإدعائات قوى النظام ؟ ) نضال ( سأكون صادقا ًمعك ، كما عهدتني دائما ً، إذا نالني من الحب جانب ، مما حصلتم عليه ، فأنا مستعد لأنضم إليكم ) صوب صديق عمره سيف القادري اليه نظرة يملأها الإحتقار ، وتركه ، ورحل بدون أن ينبس ببنت شفة ، بعدها بعدة أيام ، طلب مسؤول رفيع يعمل في مقر الحزب الحاكم ، الذي يعمل فيه ، نضال ، منه أن يلتقي به لأمر هام ، وفي اللقاء ، وجد نضال عدد من زملائه الشباب العاملين في المقر هناك ، طلب منهم هذا المسؤول تقديم إستقالاتهم بشكل علني من العمل في المقر، والإنضمام الي شباب ثورة فبراير ، والتوجه الي ساحة الإعتصام إبتداءً من صباح اليوم التالي ، كما أخبرهم أن هناك نفقات ستصرف لهم ، تصل إلي مائة دولارأمريكي يوميا ً ، تهللت أسارير نضال الباسم ، فالمال عنده ،هو كل شيئ ، قطع حبل أفكاره المادية الضحلة ، صوت المسؤول وهو يقول لهم ، (نريد منكم تقرير يومي عن كل مايجري هناك ، ونريدأسماء المعتصمين ، وكل مايخططون له ، في ساحة الإعتصام ) في صباح اليوم التالي ، كان نضال الباسم ،في مقدمة الحشود ، في ساحة الإعتصام ، هتف حتى بح صوته ، بعبارات نارية وجريئة ، تطالب برحيل النظام ، وتكشف فساده وإستبداده ، أصبح يتواجد على المنصة ، بشكل شبه يومي ،كان يلقي بالخطب الرنانة والأشعار الثورية ، وينتحب على الوطن الذي سلبه النظام لأكثرمن ربع قرن من الزمان ، أصبح ناشطا ً سياسيا ً في غمضة عين ، وأستضافته ، القنوات المساندة لثورة الشباب بشكل دائم ، كما إستضافت زملائه ، لقد سيطر نضال الباسم وزملائه ، على منصة الإعتصام ، وكانت لهم أكثر من ثلاثة وعشرين خيمة إعتصام في الساحة ، ونجحت أهداف من زرعوهم في الساحة بين الثوار بإمتياز ، وفرح سيف القادري ،كثيرا ً ، عندماإنضم نضال إلي الثورة ، وعندما إلتقى به في ساحة الإعتصام ، قال له وهو يسدد إليه هذه المرة نظرة يملأها الإعجاب ، والفخر ،و يشوبها بعض الشك ( أخيرا ً ،إقتنعت ، مرحباً بك ، في رياض الخير ، والتغيير ) نضال ( لقد وجدتُ ذاتي ، هنا ، بينكم ) ، بعد عدة أيام ، إختارشباب الثلاثة والعشرين خيمة الثائر نضال الباسم ، مسؤولاً إعلاميا ًعن ساحة التغيير ، في العاصمة ، ومنسق اللجنة الإعلامية ، 

في الهيئة التنسيقية لمجلس شباب الثورة السلمية ، أصبح نضال الباسم ، من رموزثورة الشباب ، بينما أُقصى سيف القادري وزملائه الثوار، من تنسيقية مجلس شباب الثورة ، ومن الإستضافة في كل القنوات المساندة للثورة ، و من منصة ساحة الإعتصام ، وأقصواأيضاً من الحياة ،في يوم جمعة الكرامة، ذلك اليوم الذي تلاشى فيه نضال الباسم ،وكل زملائه ، من الساحة قبل الهجوم عليهابدقائق معدودة ، بعد أن تم إخطارهم بأن يغادروا الساحة ، عقب إنتهاءصلاة الجمعة مباشرة ً، كان خطيب جمعة ذلك اليوم الدامي في ساحة الإعتصام ، هو نضال الباسم ، الذي ألقى خطبة رنانة ، بليغة ،و ثورية ، حتى النخاع ، وكما بدأخطبته بأبيات شعرية ، ثورية ،من قصائده ،ألهبت حماس الحاضرين ، والمشاهدين للخطبة التي كانت تبث على الهواء مباشرة ً، ختم خطبته ، بأبيات شعرية ، ثورية ، بثت روح الحماسة ،والشجاعة ،والإقدام ، في قلوب شباب الثورة ، في كل مكان ، وبينما كان نضال الباسم ، متورايا ً عن الأنظار، في منزل قريب ، من ساحة التغيير ، يكتب قصيدة عصماء .


أخرى ، يرثي فيها شهداء جمعة الكرامة ، إستعدادا ً لإلقائها في القنوات المساندة للثورة ، وفي ساحة التغيير ، يوم غد ، كان سيف القادري ، وزملائه ، يواجهون ،رصاصات الغدر ، بصدورهم العارية ، إلامن الحب الطاهر لهذا الوطن الأسير ، والمخدوع ، كانوا يتساقطون ، الواحد تلو ، الأخر ، كأوراق الخريف ، لم يخشوا الموت في ذلك اليوم ، ولاكن الموت كان يخشاهم ، ولم يخطف أرواحهم ، إلا على إستحياء ، وخوف ، ورهبة ، خطف الموت أرواحهم ، وهو يؤمن ، أنه ، يحررهم ، من الخيانة ، والغدر ،والمكر ، والخداع ، لقد تمنى الموت فقط في ذلك اليوم ،أن يعصي الأوامر، وأن يتمرد ، وينزع روح نضال الباسم ،ورفاقه ، القابعون في المنازل المجاورة للساحة ،وأن ينزع روح القتلة ، ومن يقف ورائهم ،لقد تمنى الموت في ذلك اليوم أن يقاتل في صف سيف القادري ورفاقه الأحرار ، لقد روت دماء سيف القادري ورفاقه ، شجرة الحرية ، والكرامة ، والتغيير، فنمت ،وتعاظم نموها ، وأطبقت بأفرعها و بأغصانها ، وأوراقها الذهبية ،على أعناق الطغاة والمستبدين والجبابرة ، فأجبرتهم على الرحيل ، في الذكرى الأولى لجمعة الكرامة ، وقف الوزيرالشاب نضال الباسم ،الذي جائت به ثورة فبرايرالشبابية الي الوزراة ممثلا ً عن الثلاثة والعشرين خيمة ،أمام الحشود الشبابية في ساحة التغيير، وألقى خطاباً ثوريا ًبليغا ًكعادته ، ورثى شهداء جمعة الكرامة ، حتى تساقطت دموع الحاضرين،وعلا نحيبهم ، وقبل أن يسترسل في رثائه ، غارت عيناه من هول مارأت ، وعقدت المفاجأة لسانه، فتلعثم ، وتأتأ،فلقد كان "سيف القادري " يقف هناك بين الحشود ، يرمقه بنظرة يملأها الإحتقار.


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
"الحرب" و"الجفاف" يلسعان النحل في اليمن
مرور عابر على صفحات أطراف الصراع .. تضليل وطرح إعلامي يتجاوز الواقع
الاتصالات اليمنية تدفع نحو أزمة جديدة تهدد بحرمان الخزينة العامة من آخر مصادر دخلها
السعوديه في المستنقع اليمني
الداء يعيش ويتكاثر في بيت الدواء