ضاقت الأرض والسماوات على الرئيس عبدربه منصور هادي، لم يعد له مكان في الشمال، واليوم أطلقت عليه رصاصة الرحمة في الجنوب بإعلان المجلس الانتقالي.
لم يكن عبدالملك الحوثي، ولا علي عبدالله صالح، ولا قادة المجلس الانتقالي بالجنوب هم أعداء هادي، بل كان العدو الأخطر والأكبر هو، إنه كان عدو نفسه منذ اليوم الأول لتوليه الحكم في اليمن.
خسر هادي أصدقاءه، وتصرف بحمق مع أعضاء البرلمان، وبتجاهل مع قادة الجيش، وببلاهة مع رجال القبائل، وبتذاكي مع جيرانه في الخليج، وكان الرئيس الذي يجني ضحكات قادة العالم عليه.
لا أريد أن أطيل في الكلام حول رجل ميت سياسياً، فالضرب بالميت حرام، لكني أردت أن تتضح الصورة أمام الجميع، وهي أن هادي قادنا إلى التهلكة، ونام عن مصالحنا، ولم يكن الرئيس الذي توضع فيه الأمانة، ولا المسؤولية، وكانت النتائج ما نرى ونسمع من موت ودمار وفوضى وفساد، حتى أصبح خارج لعبة الشمال والجنوب وهو مهموم بإنشاء الكيانات وإصدار القرارات، وهو يعتقد أنها تمكنه من أن يظل طرفاً في الصراع فقط، وليس رئيس شرعي.
لقد أوصل حاله إلى الدرك الأسفل من حسابات اليمنيين والمستقبل، وهو الآن مشكلة أمام الحل، بعد أن كان حلاً أمام حدوث صراع في اليمن بعد 2011.
لعب هادي خلال ما مضى من السنوات بخبث مع الجميع، من صالح إلى الحوثي إلى الحراك الجنوبي، وحاول أن يغازل الخارج، من طهران، إلى الرياض، إلى أبو ظبي، واشنطن، ولندن، لكنه خسر، لأنه ببساطة لم يكن صادقاً مع الجميع، قدر صدقه في عمله ضد ذاته، فكان أن دفع ثمن حماقاته جميع اليمنيين، حتى من هم ضمن حكومته وطاقمه.
مرة أخرى، لا أريد الإطالة حول ابن هادي فالمستقبل لم يعد يحتمل حديث عن رجل غادر إلى الموت السريري.
أعود لأناقش الإعلان عن المجلس الانتقالي في الجنوب، وأرى فيه بعيداً عن التنطع واستدعاء مفردات الثورة والوحدة بشكل مشوه، كما يحلوا للبعض مدوناً ملاحظات عاجلة حول ذلك.
أولها: أنه ضم قيادات جديدة وشابة، واستطاع أن يتخلص من ركام شخصيات كانت جاثمة على صدر الجنوب لسنوات، ليضعها في مكانها ونصابها الحقيقي.
وثانيها: أن المجلس جمع الجنوب في إطار ومكون واحد، وقد كنت مصاباً بالخيبة وأنا أرى الجنوب يذهب نحو تقسيم المقسم، من المهرة وسقطرى، إلى حضرموت وعدن، في كيانات مشتتة، وهذا بحد ذاته إنجاز يحسب لصالح المجلس الذي ترك الجنوب كتلة واحدة.
وثالثها: المجلس يضم معظم من عينهم هادي محافظين في الجنوب ومسؤولين، وربما تخلف عن الركب محافظ أبين الجديد، الذي ربما تواجده بالرياض لأداء اليمين الدستورية بعد أشهر من تعيينه جعله بعيد عن الحسابات.
ورابعها: أن استمرار الجنوب بدون حامل سياسي لمدة أطول سيدخله بحكم فشل هادي في دوامات صراعات متعددة الأقطاب، والمسميات الجهوية والطائفية والمناطقية، وتمدد الجماعات المسلحة والمتطرفة، الأمر الذي سيجعل أي حل عصياً بل مستحيلاً أمام اليمنيين والتحالف والعالم.
وخامساً: إن الإعلان عن المجلس الانتقالي سيوجد أرضية سياسية، يمكن من خلالها إيجاد تسوية أو لنقل نقاش حول حلول بعد أن أصبحت غائبة وميتة.
وسادساً: أن الأطراف بالشمال والجنوب أصبحت لا تتفق على شيء مثلما تتفق حول فشل هادي، وإدارته للبلاد، وضرورة مغادرته المشهد، باعتباره عقبة أمام الحل والسلام.
وسابعاً: قد يكون ذلك مفتاح لعزل عسكري وسياسي للحوثيين، الذين سيجدون أنفسهم في تحالف منفرد مع ذاتهم، وربما في مواجهة جميع مكونات التيارات السياسية.
وثامناً: أن هذا التطور السياسي الجديد قد يخلق إيجاد تحالفات سياسية جديدة، يمكن من خلالها التوصل إلى صيغة للحل بعيداً عن صلف الحوثيين وخياراتهم العسكرية المدمرة، والتي يقابلها العالم بقناعة كاملة أنها جماعة لا تريد الحل والسلام وضد إقامة الدولة.
وتاسعاً: إن هذا الوضع الجديد سيتيح لكيانات سياسية أن تتنفس، وأبرزها المؤتمر الشعبي العام، وباعتقادي أن التجمع اليمني للإصلاح ربما يجد نفسه أمام خيارين، إما الاستجابة لضغط قواعده بالجنوب، أو مواجهة خطر التقسيم والعزلة والاستمرار في سفينة متهالكة يقودها القبطان هادي.
على أن الواضح أن المجلس يحتاج أيضاً إلى بعض مراجعات وإضافات تعطي للتجمع اليمني للإصلاح ككيان له حضور، مهما كانت رؤية الآخرين له وملاحظاتهم عليه.
لأن التوجه نحو عزل حزب الإصلاح ومحاولة استبداله بتيارات سلفية وغيرها ليس حلاً بل تخدير موضعي يجعل المستقبل ملغوم ولا يؤدي إلى سلام دائم.
وباعتقادي أن إيجاد حامل سياسي مشابه للجنوب في الشمال يمكن أن يوفر فرصة للحوار، والحل لمشاكل اليمنيين، وإيقاف الاقتتال، وحشر الحوثيين كجماعة مسلحة وفي مواجهة مع اليمنيين ومستقبلهم الذي اختاروه.
ويبقى السؤال، أي وجهة يختارها حكماء العالم والتحالف تحديداً للرئيس هادي وأي طريق يسلكها بعيداً عن الحماقات واختصاراً للوقت والجهد والمال ومن أجل اليمن وشعبه؟
*إذا أردتم الرأي:*
يجب أن تصاغ مبادرة جديدة للحل، يتم من خلالها نقل السلطة طبقاً للمتغيرات الجديدة، وأعتقد أن الحل أن يبقى هادي بالرياض إلى الأبد، لأن أي حل يتيح له الخروج سيكون أيضاً مشكلة أمام التحالف، وتحديداً السعودية، لأنه ببساطة رجل لا يؤتمن وغير موثوق، ولا يستبعد أن يكون شاهد زور ضدها في مجالس حقوق الإنسان ومحافل العالم.