يظل الوضع الأمني أهم التحديات التي تواجه عدن وباقي المحافظات منذ أكثر من ثلاثة أعوام، فعلى الرغم من سوء الوضع المعيشي وتدهوره يوما إثر يوم، وازدياد معدلات الفساد والفقر والمرض والبطالة التي وصلت إلى مستوى لا نظير له، والشعور بالضياع تجاه مستقبل اجتماعي واقتصادي وسياسي، إلا أن الحالة الأمنية تظل في نظر الجميع، هي أكثر المجالات خطورة وأكثرها تحدياً وصعوبة في التحقيق... هذا الشعور تضاعف أخيراً بشكل لافت لدى المواطن، خصوصاً بعد تفاقم حالات القتل والتعدي وحالات السطو واتساع رقعة الاغتيالات، التي تستهدف كثير من الرموز السياسية والدينية والأمنية، والكوادر المدنية، وارتفاع مستوى الجريمة.
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها الأمن، وبالذات المؤسسة الرسمية، ومراكز الشُـرَطة في عدن، وبعض المحافظات، للمحافظة على فرض القدر الممكن من الاستقرار والسكينة، ولو بحدوها الدنيا، وعلى الرغم من محدودية الإمكانيات، وشحة الأدوات، وضراوة الاستهداف الذي تجابهه من قوى متعددة، واستمرار التعطيل المتعمد والمثير للريبة لدور القضاء والنيابات بالذات، بأوامر من قيادات الفنادق الخليجية الوثيرة، ما يعني هذا، شللاً تاماً لأي جهد أمني، وخصوصاً فيما يتعلق بالبت بالقضايا ذات البعد الجنائي، وما يترتب على ذلك من تراكم الحالات في السجون ومراكز الاحتجاز والمعسكرات، الذي يعكس نفسه سلباً على سمعة الأمن وطبيعة عمله، تبدو الحالة الأمنية في حالة تضعضع واختلال واضحين، في ظل بقاء الجنوب وعدن تحديداً، ساحة مفتوحة لصراع مشاريع سياسية وفكرية متضاربة. مشاريع داخلية وأطماع خارجية تتنازعه بقوة، بالتوازي مع تناسل الكيانات المختلفة ذات البُعد السياسي والأمني، وكيانات الفكر المتطرف.
فالأيادي تتنازع الأمن من جميع الجهات خارجياً وداخلياً، حتى بات على حافة الفشل المتعمد، الذي يراد له أن يكون، وفي مرمى الاستهداف، بعد أن علَـقتْ به كثير من العيوب، واعترته العديد من السلوكيات المشينة، التي تقوم بها كيانات محسوبة عليه، وتمارس كثير من التجاوزات والانتهاكات، بصورة تشير بوضوح، إلى أن ثمة جهات تلعب لعبتها من خلف الستار، للإضرار بسمعة الأمن لحسابات حزبية وسياسية مناوئة للقضية الجنوبية، ناهيك عن الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها بين الحين والآخر، بعض منتسبو المؤسسة الأمنية الرسمية، التي تضرب الأمن بالصميم، ما يجعل الأمن - نقصد المؤسسة الرسمية - في مرمى الانتقادات القاسية من الجميع... يزيد هذا، حالة ضبابية أوضاع السجون والمعتقلات المحسوبة على «التحالف»، التي تتحدث عنها العديد من المنظمات الحقوقية، وما يقال فيها من أخبار الانتهاكات والتجاوزات «المفترضة»... فقد تكون هذه الأخبار غير صحيحة في معظمها، ومبالغ فيها إلى درجة كبيرة، خصوصاً تلك التي تصدر عن منظمات حقوقية وإنسانية بقناع حزبي وسياسي، تناصب الجنوب الخصومة السياسية، إلا أن الأمر المؤكد، الذي لا لبس فيه، أن ثمة سجوناً ومعتقلات لدى «التحالف»، ولدى جهات وكيانات محسوبة على الأمن بشكل أو بآخر، غير قانونية ولا تخضع لأي إشراف أو رقابة رسمية أو قضائية وحقوقية، ولا يتمتع المعتقلون - الذين كثير منهم متهم بالتورط بأعمال جنائية وإرهابية يصعب إنكارها - بالحقوق القانونية المكفولة لهم ولعائلاتهم، وهذا الوضع غير الطبيعي، أضعف الأمن تجاه الآخرين، وبالذات تجاه القوى التي تتربص لعثراته، وهو الوضع الذي للأسف، يتحاشى الكثير من المعنيين بالأمر، التطرق إليه أو مصارحة «التحالف» فيه؛ إما خوفاً على مغانم وامتيازات شخصية يتلقونها منه، أو رهبة من غضبه وصولجانه، وخشية عل منصب وكرسي قد يطير من تحت مؤخراتهم!
*العربي