انه يوم اخر من الحزن في تاريخ اوجاع هذا الوطن المثخن بجراحه، انه يوم غيب الموت مبدعا متعدد المواهب، غير قابل للتكرار، واحدا من اهم رواد رسامي الكاريكاتير وفرسانه في اليمن الذي كان كل رسم موقع بإمضائه "أبو سهيل"، الفنان التشكيلي الراحل عبدالله المجاهد.
على الرغم انه لم يسبق لي ان تعرفت الى الراحل معرفة شخصية، لكن بحكم عملي الصحفي كنت استمتع برسوماته الكاريكاتورية السياسية الساخرة واللاذعة، وشاءت الاقدار ان اقرأ مرثيته التي سطرها بحق والدي محمد طربوش سلام -رحمه الله رحمة واسعة – قبل بضعة أشهر، وكان رثاؤه لأبي ذا مصداقية عالية وأعطى كل ذي حق حقه باعتبار ان والدي المناضل الفقيد محمد طربوش سلام -كان أول مسؤول تنظيمي عنه ، ومارس العمل السياسي والنقابي على يديه .. وشعرت بان من واجبي ان أشارك عائلته رحيلا أكثر ايلاما ووجعا، وأحببت أن أسطر نوع من الحب والعرفانلشخصية أعطت الوطن الكثير دون كلل أو ملل ولقراء أمتعتهم ريشته الحرة.
ان رحيل التشكيلي عبدالله المجاهد خسارة فادحة لفن الكاريكاتير، كان رساما اصيلا له أسلوبه الخاص في رسم اللوحة الفنية والكاريكاتير، كانت رسوماته أول ما يطالعه القراء في عدد من الصحف المحلية الأسبوعية، عبر فيها عن آلام اليمنيين وهمومهم اليومية، وتميز بنقده اللاذع للأحداث السياسية المحلية، ومدافعا عن الحرية والعدالة ومحاربة الفساد ناهيك عن تفاعله مع اغلب قضايا وطنه حتى رحيله.
كم هو مؤلم ان نفقد امثاله، شخصية لها مكانة ومنزلة جديرة بالتقدير والاعتزاز، قامة فنية باسقة وحضورا كان يملأ المكان أينما حل، رجلا مبدعا، ابداعاته في رسم اللوحات والكاريكاتير والنحت ملأت الآفاق لكنه كغيره ممن كانوا يتفانون في صمت في خدمة الوطن، رحل دون أن تنصفه الحكومة ودون أن يحظى بالتكريم الذي يستحق.
فللأسف رحل الفقيد دون ان تقوم الجهات الرسمية التي عمل معها بمنحة أي مساعدة علاجيه، رحل وهو يقاسي الام المرض بصمت، بدون ضجيج اعلامي، رحل بهدوء تاركا ذكرى عطرة وارثا ثقافيا غزيرا سيتعلم الكثيرون منه، وسيبقى رصيده الإنسان يرتفع داخل القلوب والعقول، وسيظل ايقونة في ذاكراتنا وذاكرة الوطن، ومنارة ترشد الأجيال القادمة لما تحمله من فكر ورؤية وأسلوب في التنظيم والعمل.
عزاؤنا في هذا المُصاب الأليم، أن الفقيد الذي غادرنا دون أن ينتظر شكرا أو ثناء ستبقى ذكراه واعماله مُخلَّدةً في ذاكرة الوطن، وسيظل علما من أعلام اليمن.
لقد نقش الفقيد عبدالله المجاهد اسمه بماء الذهب في قلوب كل من عرفوه، فتسابق زملاؤه في مهنته وأصدقاء ومحبين ومتابعين وكتاب ومثقفين تابعوا مسيرته، لرثاه بشهادات مثقلة بالتفاصيل والحكايات عن تواضعه و نقائه ودماثته وادبه الجم ومراحل مختلفة من مسيرة نضاله الطويلة المليئة بالكفاح.
وياحبذا لو تبادر كل الجهات التي تعاون معها الفقيد سواء الجهات الحكومية والحزبية والمستقلة الى جمع رسوماته وتصميماته ولوحاته الفنية ومنحوتاته وكذا بورتريهات الشخصيات السياسية والثقافية لتحفظ له حقوقه وتوثق أعماله تقديرا وتكريما لنشاطه الإبداعي.
خالص العزاء لكل من فقد الراحل، لكل من دمعت عيناه لفراقه، لكل من تألم لألمه وهو على سرير المرض، ولكل الذين يبكون فيه الوفاء والنبل ويترحمون على روحه الطاهرة.
وعزائي الحار لإخوانه والمواساة لرفيقة دربه وشريكة حياته منى علي وابنائه سهيل ومعد واوسان واميمة، وجميع اهله وأصدقائه وزملائه في الحقل الإعلامي والثقافي والسياسي.
رحم الله ارواحا كانت هي الملجأ الآمن لقلوبنا والراحة لأرواحنا، رحم الله ارواحا لا تعوض، رحم الله رجلا يستحق ان نبكيه، رحم الله المثقف النبيل والوطني الغيور الأستاذ عبدالله المجاهد صاحب الريشة المميزة الذي تربت على رسوماته وكاريكاتيره أجيال.
والشكر لمحبي وأصدقاء الفقيد الذين بادروا بإنشاء مجموعة في الواتساب حملت اسم جدارية الفقيد عبدالله المجاهد تضم اسرة وأصدقاء وزملاء الفقيد، ومبادرتهم في تشكيل لجنة تحضيرية للإعداد والترتيب لأربعينيه الفقيد وجمع اعماله واصدارها في كتاب كتتويج لمسيرة نضال طويلة مليئة بالإبداع والتألق والكفاح.
ربي ان لي والدين اليوم تحت الثرى، تقبلهما برحمتك وغفرانك وأكرم نزلهما واجعل قبريهما روضتين من رياض الجنة وأغدق عليهما بلا حساب في جنات النعيم.
وإنا لله وإنا إليه راجعون