السودان : يوم العيد " ابواب البيت مفتوحة "
الأحد 25 يونيو-حزيران 2017 الساعة 04 صباحاً / المركزاليمني للاعلام - متابعات
عدد القراءات (1293)

ث

في مخيلة كثير من صغار الأمس صورة أبسط ما تكون عن العيد، هناك من كان يعتقد انه زائر يحل لأيام ثم يرحل، يأتي بالبهجة التي تجعلهم سعداء ثم يتركهم يعيشون ذكرياته بانتظار عيد آخر.
وفي الوقت الذي تمثل فيه الأعياد في السودان موسماً لتلاقي الأسر التي قد تنقطع عن بعضها طيلة الأشهر الأخرى، بسبب ظروف العمل والتعليم التي تجبر معظمهم للانتقال للعاصمة حيث الجامعات والخدمات وفرص العمل بالمقارنة بالولايات والمناطق الأخرى. يبدأ السودانيون التجهيزات للعيد قبل فترة عبر إعداد النساء في المنازل للخبائز، ويشكل الكعك والبسكويت اللذين يضعان بطريقة احتفالية داخل المنزل أساس العيد وفرحته.
وفي صباح العيد تتبارى النساء في تزيين المنازل لاظهارها بأبهى صورة.. تتفتح الأبواب عقب صلاة العيد مباشرة لاستقبال الجيران، وليس بالضرورة أن يستقبل رب الأسرة المعيدين من رجال الجيران لأنهم في حالة انشغال بالمعايدة فتستقبلهم النساء وتقدم لهم الحلوى والخبائز.
ويعمد السودانيون في أول أيام عيد الفطر بخاصة في الأحياء الشعبية لتناول وجبة الافطار مع الجيران في الشارع حيث تفرش البروش على الأرض
ويخرج الرجال من المنازل وبمعية كل منهم طعامه المتخصص ليأكلوا سوياً.
هذا قديماً… أما اليوم أخذت ملامح العيد في الخرطوم تتغير وان كانت مازالت محافظة على رونقها التكافلي الاجتماعي في الريف وتحولت الأعياد إلى يوم عادي بعد أن خفت زيارات الجيران صباح العيد للتهانئ وبدأت الشكوى تكثر عن فقدان معظم السودانيين لطعم العيد لغياب مميزاته لتخفت الاحتفالات بالعيد وينتهي بصلاة العيد التي يحرص السودانيون على أدائها في ساحات الميادين بالزي القومي.
وتقول «شيماء أبو علامة» التي حررت هذا التقرير الخاص عن العيد بين الأمس واليوم، انه وعلى الرغم من كل ذلك لعيد الفطر نكهته وفرحته الخاصة في مختلف البلدان الاسلامية وتختلف الطقوس العيدية من بلد لآخر، حسب عاداته وتقاليده. وفي السودان هنالك طقوس خاصة بالعيد منذ القدم وتغيرت نوعاً ما مع تغير الحياة والتطور… ولكن تبقى الطقوس التي مارسها الآباء والأجداد عنواناً للأجيال بتشجيع من القيادة الحكيمة التي غرست في الشباب حب التراث والموروث والتمسك بالعادات والتقاليد.
وفي محور الطقوس الثرية تقول سكينة محمد أحمد 76 عاماً ان الاستعدادات للعيد تبدأ قبل رمضان منذ أن يسرع العمل في احتياجات البيت الرمضاني ومستلزماته ابتداءاً من الحلومر «الآبري» بجلب ما تيسر له من حطب وفحم بالاضافة لتجهيز الطحين والطحن على الرحى لعمل «العصيدة» «سيدة المائدة الرمضانية» كما تصفها سكينة. فالكثير الكثير من التحضيرات الرمضانية التي تعتبر امتدادا لأغراض العيد. فالاحتياجات الرمضانية هي كالمصدر الذي ينبثق منه النور إلى ما لا نهاية ليحل بالبركة – على حد تعبيرها.
وتبدأ طقوس العيد قبلها بسماع صوت «المؤذن» الذي يكرر نداء العيد إلى حين بزوغ الشمس في الوقت الذي نكون قد فرغنا تماماً من إعداد أباريق الشاي وانتهاء بقوالب «العصيدة» لتصبح جاهزة للفطور بعد انقضاء صلاة العيد.
ليبدأ صباح العيد بالصلاة ثم السلام على الموجودين بالمصلى والتنقل من برزه إلى برزه «المسيد» لتبادل التهانئ لتنتهي جولة السلام بالبيوت ثم يتوقف الأمر عند «مرجحانة العيد» وذلك في أحد أشجار السمر الظليل… لتبدأ مراسم الأهازيج وتجمع الكبار والصغار والنساء والرجال. وغيرها من مظاهر الفرح ويتكرر المشهد ليلاً ونهاراً لمدة لا تزيد عن ثلاثة أيام…
وترى سكينة انه يوجد فرق واضح بين الأمس واليوم فالعيد قديماً له أجواؤه كما ذكرنا والعيد حديثاً يقتصر على السلام فقط والتجمع بالحدائق والمراكز التجارية.
فصورة العيد تغيرت، المشاعر اختلفت، غابت اللهفة في ترقب يوم العيد والعيد افتقد نكهة الفرح ويرى كثيرون بأن التكنولوجيا لعبت دوراً كبيراً في هذا التغيير، ساهمت في برودة التواصل الاجتماعي فحلت المعايدة بمكالمات ومسجات، الموبايلات، الايميلات محل الزيارات التي اعتاد الناس تبادلها في مناسبة العيد، برغم سهولة المواصلات مقارنة بأيام زمان.
وعن تكنولوجيا والعيد يتفق أبو سمير «55» عاماً بأن التكنولوجيا لعبت دوراً في تغيير جوهر مظاهر العيد، ويقول «بأن العيد مناسبة دينية واجتماعية كبيرة، وبرغم ارتباطه بفريضة من فرائض الدين انه يتغلغل في بنية المجتمع فيولف بين النفوس والقلوب وهو دائماً مناسبة للمصالحة والتقارب بين الناس».
وتضيف مديرة مدرسة «حنان 46 عاماً» بأن التكنولوجيا أثرت على العيد سلباً وايجاباً، ساعدت الناس على الاتصال ببعضهم البعض وعدم التلاقي في الوقت نفسه مثلاً كانت الزيارات من أهم طقوس العيد بينما هذه الأيام تم الاستعاضة عنها بمكالمات ومسجات الموبايل باعتبارها تقوم بذات الغرض في هذه المناسبة.
ومن اتهام التكنولوجيا إلى ليالي وأيام العيد، صورة العيد زمان ما تزال الأحلى بعيون الكثيرين وعن اللمة الجميلة يستهل «أبو مجد 50 عاماً» حديثه عن العيد زمان ويقول: كان العيد مشهداً رائعاً من التواصل بين الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران.. كان يعني «اللمة الجميلة» والأطفال بثيابهم الجديدة وألعابهم كانوا الفرح والعيد بعينه.. أما عبارات التهنئة التقليدية بالعيد التي يتبادلها الناس فكانت مفتاحاً للقلوب والبيوت يتحقق من خلالها التقارب والتصالح مع النفس والآخر فيما تقال هذه الأيام بشكل روتيني ليس أكثر.
ذكريات العيد زمان لا تزال حاضرة لدى «أم طارق 58 عاماً» وتقول: بأنها كانت تتوسد ملابسها ليلة العيد، تحتضن دميتها، أكثر ما كان يهمها ومن في مثل سنها أن يمر الليل سريعاً ليأتي العيد.. وتضيف أحلامنا كانت عيديات تمكننا من ركوب الاراجيح التي كانت تنصب في الحارات بمبلغ زهيد لم يكن يتجاوز بضعة قروش، وجولة على بيوت الأقارب والجيران نجمع من خلالها الكثير من الحلوى والعيديات.
تواصل «أم طارق» حديثها قائلة: لكن هذه الأيام لم تعد هذه الصورة موجودة فأحفادي لا يرون العيد كما كنا نراه ونحن صغار، العيد يمثل لهم هذه الأيام وجبات في المطاعم أو سفرات أو ملابس وألعاب عصرية.
وعن السفر في العيد يضيف «كمال محمد 61 عاماً» أصبح خيار كثير من الأسر الميسورة وربما لايلام هؤلاء فلم يعد هناك تواصل بين الناس فصار العيد فرصة للخروج من العزلة الاجتماعية، وضغوط وروتين الحياة اليومية مع عروض مغرية تقدمها شركات السياحة…
ويرى باحثون اجتماعيون ان ضغوط الحياة المعيشية والأزمة الاقتصادية تؤثر بشكل أساسي على الحياة الاجتماعية وتغير في كثير من أنماطها سلباً وايجاباً ويقول الخبير الاجتماعي «وحيد محمد»: ان تغيراً كبيراً تم في الاحتفال بالعيد على المستوى الأسري والعام الذي كان تواصل الأجيال والزيارات المتبادلة مع الأهل والجيران سمته الأساسية، وأرجع ذلك للعوامل الاقتصادية التي تحد من حجم التحرك والعلاقات فيما يتصل بالأسر الكبيرة والممتدة…
ويوضح «التحرك من منطقة لأخرى أصبح مرهقاً للمواطن الذي يفضل خلال العيد الخروج إلى الحدائق العامة للترفيه ليقضي بقية أيام العطلة في المنزل بدلاً من الزيارات المكلفة»…
وفيما يتصل بالتواصل مع الجيران يقول «وحيد»: قديماً كان التواصل بين الجيران مفتوحاً وسهلاً، لكن بسبب الظرف الاقتصادي انغلق الجميع والكل أصبح يعيش على قدر حاله. وأضاف: كما ان لعامل العولمة دوراً كبيراً في التراجع إذ انكفأ الجميع على الأجهزة الحديثة حتى أنك قد تجد أناساً في حي واحد لا يتعارفون.. حتى ان المشاكل البسيطة بين الجيران التي كانت تحل ودياً انتقلت الآن للقضاء بسبب التباعد الاجتماعي…
وفي الحديث عن السفر مجدداً يضيف «أنور علي 38 عاماً»: في أيام العيد تتحول الخرطوم إلى مدينة هادئة فتخفت فيها أضواء المنازل التي يغادرها معظم سكانها إلى الولايات المختلفة لقضاء عطلة العيد مع أسرهم وأقاربهم بمسقط رأسهم لتعج بهم الموانيء المخصصة للسفريات وتعتمد شركات الحافلات في الأعياد عادة لزيادة تعرفة المواصلات بنسبة 25% باعتبارها موسماً تحقق خلاله أرباحاً تفشل في تحقيقها في الأيام الأخرى…
وتقول «رابية 39 عاماً» مدعمة بحديثها قضية السفر «أنا أحرص على أن أقضي اجازة العيد بمسقط رأسي بالولاية الشمالية لأن للعيد هناك طعماً خاصاً، فما زالت حرارة التلاقي بين الأهل والجيران تحتفظ برونقها وتحس بفرحة العيد في عيون الجميع، باستثناء العاصمة التي يكون فيها العيد يوماً عادياً…
وتقول «فاطمة 28 عاماً» من قلب العاصمة الخرطوم: العيد فقد طعمه ليس كما كان سابقاً فبعد صلاة العيد لا تحس ان هناك عيداً، فنادراً ما تجد أحدا من الجيران يطرق بابك ليهنئك بالعيد، والكل مغلق بابه عليه حتى الأهل أوقفوا الزيارات التي كنت انتظرها من عيد لآخر. وتضيف، لم نعد نجتهد حتى في الاعتناء بالمنزل كما كان سابقاً لأننا على يقين أنه يوم عادي ولا جديد…
وفي لون مميز تماماً من أشكال أو ألوان الاحتفال بالعيد تحت ما يسمى «عرضة العيد» الشاعر صادق الدرعي حول الموضوع واصفاً اللون المميز بالولايات قال: تبدأ التجهيزات للعيد في ليلة العيد حيث يتم تجهيز ذبيحة مستقلة ويتجمع عدد أفراد 5 أو 6 بيوت يذبحون ناقة أو بقرة ويتقاسمون لحمها وذلك منذ عصر اليوم السابق للعيد أو في ليلة العيد ويجهزون ملابسهم استعداداً لصلاة العيد ويتجمعون للاحتفال بعرضة العيد وهي «ركضة العرضة» أو عرضة الهوجين بحيث يركض عدد 2 من الهجين لمسافة لا تتعدى الكيلومتر يعودون للبيت…
وهناك من يتغدى قبل العرضة وهناك من يتغدى بعدها… وفي العصر يتزاور الناس ويسلمون علي بعضهم البعض وكانت الزيارات والروابط قوية جداً، وهناك من يسافر لمسافات كي يقوم بواجب الزيارة في العيد، ربما تستمر ليوم وليلة ممن كانوا يملكون الهجن – على تعبيره – وكان الناس قديماً في منطقة الحسانية يتجمعون في البادية وإذا صادف الربيع أفراد في بيوت يقومون بالتجمع ولا تقام العرضة لقلة عدد الأفراد إلا في المدن أو في وسط المنطقة التي ربما يتجمع فيها أفراد من «10-15» بيت والآن الشباب وخاصة من سن «20-25» نادراً ما نراهم فقط في الصلاة وبعدها يعودون للمنزل للنوم إلى العصر أو المغرب ويغيبون عن المجالس المعروفة في العيد…

*موقع الصحافة السوداني


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
قطر تتضامن مع السعودية ضد"المخطط الإرهابي"
الكويت تسلّم قطر قائمة المطالب الخليجية
انفوجرافيك: تعرّف على تاريخ ملوك السعودية
إعلامي سعودي يقدم استقالته من قناة الجزيرة الإخبارية
قطر تتهم دولاً مجاورة لها بالمشاركة في إختراق موقع الوكالة