إختراعُ العرق
الأعراق البشريّة: هل نحن حقًّا على هذا القدر من الاختلاف؟
الثلاثاء 09 مارس - آذار 2021 الساعة 06 مساءً / المركز اليمني للإعلام
عدد القراءات (5337)

(لم يكن العرق موجودًا في الطبيعة، وإنّما اخترعه الأشخاص ذوو السلطة)

يقرُّ معظم الباحثين حاليًّا بأن العرق فكرة، أو مجموعة فِكَر، تتعلَّق بالاختلاف البشري. وغالبًا ما تكون هذه الفِكَر غير دقيقة وغير كافية على نحوٍ مُؤسِف لفهم أو تفسير طبيعة التنوع البشري وآلياته المختلفة. ومع ذلك، فإنها تلعب دورًا رئيسًا في صياغة تفسيراتنا للاختلافات بين الأفراد والجماعات، بالإضافة إلى شبكاتنا الاجتماعية وعلاقاتنا المادية. بعبارةٍ أخرى، نحن لا نُدرك وجود الأعراق البشرية — على الأقل، ليس من خلال أي وسائلَ موضوعيةٍ — وإنما نخترعها. فالأعراقُ البشرية لم تنشأ في الطبيعة، وإنما هي نِتاج المعتقدات الشعبية المنبثقة عن ممارساتٍ ثقافية واجتماعية.

كيف بدأت فكرةُ العرق؟ تكمن الإجابة في العلاقة المُعقَّدة المتبادلة التأثير بين العِلم، والحكومة، والثقافة، في تاريخ التوسُّع الاستعماري الإسباني في الأمريكتَين. عندما وصل المُستعمرون الأوروبيون إلى شواطئ أمريكا الشمالية للمرة الأولى في أوائل القرن السادس عشر، كان الأمريكيون الأصليون يقطنون هذه الأراضي، وكان الإسبان والفرنسيون والإنجليز كثيرًا ما يَشتبكون مع سكان البلاد الأصليِّين بينما كانوا يُقيمون المستعمرات في فلوريدا، والمنطقة الشمالية الشرقية المُتاخِمة لكندا، ومُستعمرة فرجينيا، والجنوب الغربي. في بادئ الأمر، اعتبر الأوروبيون القبائلَ الأصلية المتنوِّعة «أممًا» مُنفصلة، لا «أعراقًا»، ولم يصف المُستعمِرون الإنجليز الأوائلُ السودَ بكلماتٍ ذات صبغةٍ عِرقية عندما وضعوا نظام عملٍ قائمًا على العبودية المرتبطة بعقودٍ طويلة الأجل، وهو نظامٌ شملَ كلًّا من الأوروبيين والأفارقة. إلا أن وضع الأفارقة بدأ يتغيَّر على نحوٍ بالغ بحلول منتصف القرن السابع عشر؛ فلم يعودوا خَدمًا مع توقُّع حصولهم على الحرية بعد فترة من العبودية، مثل نظرائهم الأوروبيين. وبدلًا من ذلك، أحالَ زعماءُ المستعمراتِ الأفارقةَ إلى مرتبةٍ أدنى تمثَّلت في العبودية الدائمة. وعلى مدى فترة معيَّنة، كان العبيدُ الأفارقة والأمريكيون الأصليون يعملون جنبًا إلى جنب (مع العُمَّال الأوروبيين المرتبطين بعقودٍ طويلة الأجل) في إنتاج الأرز، والقطن، والنِّيلة، وغيرها من المحاصيل النقدية، إلا أن العبودية في النهاية كانت حِكرًا على السود. شرعَ المستعمرون الإنجليز في وضع هَرَمية عِرقية من خلال اعتمادهم المُتزايد على العبودية وطموحاتهم في الاستيلاء على الأراضي الأمريكية من سكانها الأصليين. لم تبدأ العبودية وانتزاع ملكية الأراضي من الأمريكيِّين الأصليين مشروعاتٍ عِرقيةً أو قائمة على العرق، لكنها أصبحت كذلك.

حتى الآن، ربما تتساءل لماذا استلزمت العبودية والحملات العسكرية ضد سكان البلاد الأصليين تبريراتٍ في المقام الأول. من المؤكَّد أننا نرى العبودية الآن وصمةً أخلاقية، «الخطيئة الأصلية» لأمتنا، ومع ذلك فإن المجتمعات والتصرفات الأخلاقية التي نشهدها اليوم تختلف اختلافًا ملحوظًا عن مجتمعات وتصرفات الأمس. ألم يتماشَ الاستعمار والعبودية مع قيم الأغلبية في ذلك العصر؟ ألم تُمارَس العبودية في كل أنحاء العالم — بما في ذلك في أفريقيا والأمريكتَين — قبل عصر الاستعمار؟ لماذا إذن اضطرَّ المستعمرون الإنجليز إلى تبرير هذه الممارسات التي مضى عليها ألف عام سواءٌ من خلال العرق أو أي وسائلَ أخرى؟

على الرغم من أن المرءَ قد يميل للنظر إلى العبودية على أنها نفس النظام سواءٌ مُورسَت في روما القديمة، أو في جولد كوست (غانا) القرن السابع عشر، أو في فرجينيا القرن التاسع عشر، فلم يكن هذا ما عليه الوضعُ في نهاية الأمر؛ فقد كانت العبودية القائمة على العِرق في الأمريكتين هي — دون أي سابقةٍ تاريخيةٍ أخرى — أساس اقتصاد «بلدان المحيط الأطلنطي» الممتد السريع التوسُّع. على سبيل المثال، كان من بين الاختلافات الجوهرية بين «مجتمعات الرقيق» الأمريكية وغيرها من «المجتمعات التي تتضمَّن عبيدًا» مدى الاغتراب الاجتماعي بين العبيد و«سادتهم» (برلين ٢٠٠٣، مياسُّو ١٩٩١). في النمط الأول من المجتمعات، كان العبيدُ عادةً ما يجدون أنفسهم مُندمجين في النسيج الاجتماعي بوصفهم يشغلون المرتبة السُّفلى في سُلَّم قرابةٍ بيولوجية وتخيُّلية زائفة. ومهما بدت فكرة المساواة بين البشر مُستبعَدة وبعيدة الاحتمال في نظر النُّخبة في هذه المجتمعات، فإنهم عادةً لم يَعتبروا أن من الضروري التشكيك في الطبيعة الإنسانية الجوهرية لأولئك الذين استعبَدوهم، سواءٌ من خلال الغزو أو الدَّين أو غير ذلك. كما أن العبودية لم تكن تُورَّث بالضرورة، ولم تكن لعنة تتوارثها الأجيال الهدفُ منها ضمانُ توفير عُمَّال من العبيد، حسب ما آلَ إليه الوضعُ في المستعمرات الأمريكية في نهاية الأمر؛ ومن ثمَّ كان توقُّع الحرية أكثرَ ترجيحًا في «المجتمعات التي تتضمَّن عبيدًا»، إنْ لم يكن للعبيد أنفسهم، فلأبنائهم.

****

جمعية الأوان 

المصدر:

آلان إتش جودمان ويولاندا تي موزِس وجوزيف إل جونز: الأعراق البشريّة: هل نحن حقًّا على هذا القدر من الاختلاف؟، ترجمة: شيماء طه الريدي، وهبة عبد المولى أحمد، مراجعة: هبة عبد العزيز غانم، مؤسسة هنداوي.


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
مقتطف من كتاب “قصّة الفلسفة الحديثة”