مخلاف العود.. جبال تكتنز حضارة الأجداد
الأحد 23 يوليو-تموز 2023 الساعة 07 مساءً / المركز اليمني للاعلام - استطلاع - علوي سلمان عدد القراءات (2952)
يسعدني كثيرا أن أكتب عن رحلة قصيرة تجولت فيها بين مناطق وجبال وأودية مخلاف العود الذي يمتد بسلسلته الجبلية من جبال مريس مديرية قعطبة محافظة الضالع شرقا، وحتى بلاد الشعر غربا، ومن جبال عمار وادي بنا شمالا وحتى بلاد اليوبي منطقة حجر جنوبا. يسكنه أكثر من 100 الف نسمة تقريبا، موزعين على عشر عزل هي: عزلة الأعشور، عزلة الوحج، عزلة الشرنمة السفلى، عزلة الشرنمة العليا، عزلة حدة، عزلة كنه، عزلة منقير، عزلة الزمازم ،عزلة الشعب، عزلة ذودان وفي التقسيم الإداري البعض منها يتبع محافظة الضالع والبعض الأخر يتبع محافظة إب. المستوى المعيشي الشيخ محمد سلمان أحد مشائخ العود يفيدنا بقوله ان أبناء هذا المخلاف يعتمدون في معيشتهم على الزراعة ورعي الأغنام، إلى جانب وجود كم لابأس به من المغتربين والموظفين الذين كان لهم دور لايستهان به في إنعاش الحياة الاقتصادية في مخلاف العود. المستوى التعليمي عبده الصيادي أحد التربويين البارزين في منطقة العود يذكر مجموعة من المدارس الاساسية والثانوية التي بنيت في فترة التسعينات وكان لها دور لايستهان به في تعليم الشباب وتنويرهم والذي ألقيت على كاهلها مسؤولية التغيير ونشر الوعي بين فئات المجتمع، وأصبح منهم الدكتور والمهندس والاستاذ والطبيب والضابط ...الخ حد قوله المساكن والعمارة في العود تتميز بطابع فني ومعماري خاص، حيث إنك تشاهد فكرة السقوف المزخرفة والمزركشة والعقود الجميلة من الاحجار الرخامية التي تبرز مناظر الطبيعة وجمالها، ورقي فنها المعماري الذي يجمع بين الأصالة والحداثة المناخ ينعم مخلاف العود بجو جميل معتدل يحيط به الجبال من كل جانب وهذا يؤثر بشكل إيجابي على الزراعة المعالم الأثرية والتاريخية بعد التنقل بين جنبات ومعالم عزل هذا المخلاف، والذي ركزت فيها على الموروث التأريخي والحضاري لهذا المخلاف الواسع. وصلنا إلى جبل العود الذي يعتبر أشهر وأكبر جبل فيه، والذي تمكنت البعثة اليمنية الأثرية من تحقيق اكتشافات هي الأولى من نوعها، شملت النقوش وقد عثرت البعثة في الكهف الأثري على مادة أثرية غنية بتماثيل ونقوش ومجموعة من الأواني الفخارية، ورسومات على قوالب من الطين الذي يعود تأريخها إلى العصور القديمة. ومن المفارقات العجيبة إن تماثيل هذا الجبل نادرة ظلت مطمورة في الرمال والكهوف رغم مرور الناس ورعاة الشاة من جانبها سنوات طويلة، وهي تماثيل ملوك وحيوانات نحتت بمنتهى الدقة والإبداع من أصل الطين والتربة لهذا الجبل التي ربما يرجع تأريخها إلى الاف السنين. والناظر إلى الجبل بطوله وعرضه يتبادر إلى ذهنه ولأول وهلة ان هذا الجبل يحمل في طياته صورة من التنبؤات بوجود مكنوز كبير من الآثار التي لم يتم اكتشافها حتى الآن، كما إنني لاحظت السكان الذين يقظنون هذا الجبل وهم يحملون متاعهم وحاجاتهم على ظهورهم لوعورة الطريق، وقد أصبحوا متحدين كل العوائق والمشاق، فما زادتهم وعورة الطريق إلا صلابة وخشونة وقوة وبهذا تذكرت المثل العامي القديم،، ينزل الله البرد على قدر الدفا. جبل حضار : إنتقلنا إلى جبل حضار الذي يقع في الجهة المقابلة من جبل العود، حيث ظهر لنا في هذه المرة وكأنه حي بشري يمد يديه ليسلم علينا أو يعانقنا بحضنه الدافئ وجوه النقي، من خلال ربواته العالية الملفوفة بشكل تمثال بسط كفيه في إشارة منه ليفسح لنا المجال لمعرفة آثاره المكنوزه ومخبأته الثمينه التي تحوي تأريخ نفيس لشعب عريق وطأت قدماه هذه الأماكن ، وكأنه ينبهنا توقفوا لتقرأوا على صفحات جدراني سطورا من التاريخ ،وكلمات في الحاضر، وأوراق تفيد المستقبل، تذكرنا قول الشاعر : ياروابي جبال اليمن نعم الروابي ..... يتلاقى فيها الندى بالسحاب. كان الهدوء والجمال والمناخ الجميل، والسفوح العالية ترافقنا في كل منعطفات الجبل، بعيدا عن أدخنة المصانع وعوادم السيارات وازدحام السكان وضجيج الحياة، حتى وصلنا إلى وسط الجبل، وفيه لاحظنا بعض الحفريات والكهوف التي توحي لنا بأن أقواما سكنوا هذا المكان، خاصة إن آثارهم شاهدة على ذلك، مثل النقوش والرسومات التي لاحظناها منحوتة على جدران هذه الكهوف، وهي شبيهه بالخط المسند، بالإضافة إلى وجود مدرجات طويلة بشكل السلالم مصنوعة من القضاض والأحجار، وهذا مادلنا بأنها الطريق التي كان يمشي عليها الأوائل في هذه الأماكن من الجبل، أما بالنسبة للقيعان فقد أدرك الإنسان اليمني القديم بهذه المنطقة أهمية السيول الغزيرة التي تنحدر من هذه المرتفعات، والتي تصب في القيعان الواقعة أسفل الجبل، فشرع إلى صنع وعمل الجريبات الطينية، وأدرك أهميتها الزراعية فقام بإحاطتها بالأسوار المنيعة من الأحجار لكي تحميها من الانجراف، حيث وجدنا في هذه الجرب خصوبة شديدة تقوم فيها الزراعة بشكل رائع، والتي تعتمد في سقيها على مياه الأمطار والسيول، وبعض الآبار السطيحة المحفورة في أودية هذه المنطقة الجبلية. مدينة جيشان: تقع هذه المدينة في منطقة العود على بعد 30 كم تقريبا من مركز محافظة الضالع غربا، وهي مدينة متوسطة الاتساع لاتميل كثيرا أو قليلا إلا أن تريح التاريخ عن معالمها، بل هي فخورة بأنها تعيد تجسيدا لألاف السنوات من التاريخ حيا مهما تغيرت أزياء القادمين إليها، فهي تعتبر تاج العود الأثري، حيث إنك تشاهدها على تلك الطبيعة الأولى وكأنما التجديد رفض الزحف على هذه المدينة، فيما عدا بعض البيوت الجديدة التي تم بناؤها بعيدا عن جدران المباني القديمة التي لازالت ظاهرة للعيان إلى اليوم. إن الزائر لهذه المدينة ينبهر بوجود الأطلال مثل جدران المباني القديمة والنقوش والرسومات المنقوشة على جدران هذه المدينة ووجود الممرات بين البيوت، والمدرجات الخضراء التي تخرج من بين فخذي منابع المدينة عين تجري طول العام تسقي هذه المدرجات فهي دائمة الخضرة طول العام، كما يوجد في المدينة مقبرة ظاهرة للعيان إلى اليوم على مدخل بوابة المدينة التي هي بشكل عقد من الذهب تسمى بين القرنين. بالإضافة إلى أثر الأنقاض وجدران المباني القديمة، كنت أكاد أسمع أصوات ساكنيها وأشاهد تحركاتهم نتيجة بروز آثارها ووضوحها إلى اليوم رغم مرور قرون من الزمن إلا انها تظهر رابطة الجأش، رابضة في مكان ما، وربما منازل أهلها أو بقايا النقوش والتماثيل البادية، وجدران المباني التي هوت سقوفها وتهشمت، أو سيوف ودروع من سكنوها وتكسرت، أو ماتهاوى على هذه المدينة من نوائب الزمان وكوارثه، آثار التحطيم والدمار موجود في كل مكان من أرجاء المدينة، فلم يعد يظهر من ذلك سوى رؤوس الأعمدة الرخامية أو بقايا قطع البازلت التي مسح تفاصيلها الدهر. وهكذا رأينا أمام كل بيت من البيوت المتناثرة قطعة من حجر تخفي تأريخا، أو صحفة خشبية تناول الأجداد طعامهم، أو ينابيع مائية شربوا منها وعاشوا ردحا من الزمن. حصن الجمل: يقع هذا الحصن المنيع بالجهة القبلية لمنطقة القدم المقابلة لمدينة جيشان، وهو عبارة عن ثلاثة مرتفعات يطلق عليها الأهالي اسم "لحرايو" حيث إن كل واحدة من هذه المرتفعات شبيهة بالعروسة المرتدية فستان الزفاف، وسمي هذا الحصن بهذا الاسم نسبة إلى محمد علي الجمل ،وتفيد الروايات انه سكن بهذا الحصن، فالآثار الموجودة وبعض المستندات التي يحتفظ فيهاأصحاب المنطقة والتي تدل وتؤكد على ذلك، ولما صعدنا بصعوبة وبمساعدة أصحاب الخبرة في المكان إلى ظهر هذا الحصن وجدنا برك محفورة ومليسة بالقضاض كخزان للماء إلى جانب أواني مصنوعة من الطين وطبن طينية كان يصنع فيها الأهالي طعامهم، والطريق إلى الحصن هي درج منحوتة بالجهة الخلفية كانت تستخدم للصعود والنزول من وإلى الحصن.ا ولناظر من الحصن يشاهد تحفة جمالية بشكل أصابع اليد بمنتهى الإبداع سبحان من خلق فأبدع وصور فأحسن التصوير وإلى جوار الحصن تقع قرية تسمى قرية الجمل وهي شبيهة بقرية الظفير بني مطر الواقعة بالقرب من منطقة كوكبان 37 كم غرب صنعاء الذي أدى الانهيار الصخري عام 2006 م إلى تدميرها مخلفا ضحايا في الأرواح والأموال والمساكن، وهنا نوجه مناشدة الى وجهاء وأعيان ومشائخ المنطقة وكذا الجهات المعنية في محافظة الضالع إلى النظر في أمر هذه القرية ومايقع على رؤوس ساكنيها من صخور كبيرة تهدد أمن هذه القرية ليلا ونهارا. وختاما : بعد هذه الجولة التي شملت مناطق وعزل وجبال مخلاف العود والذي تعرفنا فيها على كل المعالم الأثرية والتاريخية، حيث أتضح لنا أهمية هذا المخلاف كواحد من أبرز المناطق الأثرية والتاريخية لكونها تقبع في أحضان جبالها وحصونها الشامخة والتي تحوي أنفس المعالم وأغلى الآثار العريقة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ. |
|
قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:- الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
- منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
- إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
- إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
- إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
- العديد من الخصائص والتفضيلات
إضغط هنا
إضغط هنا