محمد جميح
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed كتابات
RSS Feed
محمد جميح
التفتوا إلى عدن قبل فوات الأوان
سبتمبر
الإمام علي من دعاة الانتخاب
انقلبتُ على صالح!

بحث

  
صراع الطربوش والقبعة
بقلم/ محمد جميح
نشر منذ: 7 سنوات و 3 أشهر و 28 يوماً
الأربعاء 26 يوليو-تموز 2017 05:39 م


ويبقى السؤال الكبير: لماذا؟
لماذا يختلف العرب؟
لماذا ينقسمون؟
أو لماذا هذه الحالة من الاحتراب الداخلي العربي؟
في البلدان التي يوجد فيها سنة وشيعة، ننقسم على أساس طائفي، وننادي يا لثارات صفين، ونستدعي الحسين ويزيد، ويغيب عنا بالطبع أبو موسى الأشعري، وفي البلدان التي ينعدم فيها العامل الطائفي تحضر الخرائط والجغرافيا والجهات الأربع، ويضع كل واحد بوصلته، ويحدد نجمه الذي يدله على التوجه الصحيح، فننقسم إلى شماليين وجنوبيين، وننقسم إلى أهل الشرق وأهل الغرب، وعندما يهدأ غبار الخرائط تحضر «داحس والغبراء» وتثير المزيد من الغبار، وننقسم إلى قحطانيين وعدنانيين، وعرب الجنوب وعرب الشمال، والعرب العاربة والمستعربة، ويظل السكين يمر على الأجزاء والأقسام إمعاناً في المزيد من التقسيم والتجزئة.
ويطيب لنا أحياناً عندما لا توجد العوامل الدينية الطائفية أو الجغرافية الجهوية أو القبلية العرقية للانقسام، يطيب لنا أن ننقسم على أساس معسكرين: ليبرالي عصري، وإسلامي أصولي، وتثور المعارك من جديد، ونستحضر «الليبرالي التقدمي» عمرو بن بحر الجاحظ و»الأصولي الرجعي» عبدالله بن قتيبة الدينوري، وهكذا. الشيء المدهش في فريقي الصراع كليهما أنهما يحويان المثالب والمحامد ذاتها، وكل ما في الأمر أن كل فريق لا يرى في خصمه إلا المثالب، ولا يرى في نفسه إلا المحامد.
نظرة على مقولات الإسلاميين والليبراليين العرب، وأخرى على سلوكياتهم السياسية والاجتماعية – مثلاً- تكشف عن «تشابه بنيوي» في الهياكل الذهنية والأنماط السلوكية، بشكل يجعل المرء يشك في حقيقة وجود فروق حقيقية بين الفريقين من جهة القواعد البنيوية للتفكير والسلوك، حتى إننا إذا أردنا أحياناً أن ننتقد الليبراليين، فما علينا إلا أن نقرأ ما كتبوه عن خصومهم الإسلاميين من عيوب، والعكس صحيح، إذا أننا لا نختلف إلا على مستوى الخطاب والمظهر، لكن البنى الذهنية والسلوكية تكاد تكون متطابقة، بمعنى أن الفروق هي فروق شكلية، لكن الجوهر متشابه إلى حد كبير. ولأن الفروق شكلية، فقد اتخذ الصراع في القرن الماضي منحى مظهرياً باختصاره في رمزية «صراع الطربوش والقبعة»، القبعة بما هي أيقونة «حداثية أوروبية»، والطربوش باعتباره رمزاً «رجعياً عثمانياً».
يطرح الكثير من الليبراليين – مثلاً- مسألة اضطهاد المرأة العربية كإشارة على تخلف المجتمعات العربية، وينطلقون من هذا المنطلق للتشنيع على الخصوم من الإسلاميين، وحقيقة الأمر أن الكثير من الليبراليين عند فحص التطبيق العملي لطروحاتهم النظرية يعانون من نوع من الفشل الفاضح، ومن هنا تأتي الطرفة التي كانت تردد بأن الليبرالي يريد «سفور المرأة المسلمة» ليتمتع بها، فيما يريد الإسلامي «حجاب المرأة المسلمة» ليحتفظ بها لنفسه. وفي السياق السياسي يتحدث الكثير من الإسلاميين عن قضايا الديمقراطية، لكنهم عندما يصلون للسلطة (وصلوها في بعض البلدان) فإنهم يمارسون الديكتاتورية المقنعة، ولا يأخذون من الديمقراطيات إلا عدد الأصوات التي حصلوا عليها من صناديق الاقتراع، وهنا ينطلق الليبراليون لتأكيد مقولة إن الإسلاميين يريدون الديمقراطية من أجل التخلص منها عندما يصلون إلى السلطة، ويرد الإسلاميون بأن الليبراليين أقلام السلطة وحملة مباخرها، وهكذا. 
وفي ظل هذا التشابه الكبير بين السنة والشيعة، والشماليين والجنوبيين، والشرقيين والغربيين، والعرب العاربة والمستعربة، وعرب الطربوش وعرب القبعة، في ظل هذا التشابه على طريقة «كلنا في الهم شرق»، فإن ما يبدو من انقسام بين العرب لا يمكن توصيفه بالانقسام المبدئي الذي يدور حول القيم والأفكار والتوجهات والأبعاد، ولكن الانقسام هنا يعد ضرباً من الانقسام المعيب الذي لا يبعد فيه المنقسمون عن ذواتهم الأنانية ومصالحهم الضيقة، التي يغطونها بشعارات براقة على مستوى الخطاب، تخدع الجمهور الذي بدأ يدرك حقيقة أن «البقر تشابه علينا» على حد تعبير القرآن الكريم.
نعود لنقول: إننا لكثرة ما سمعنا من معارك إعلامية ورأينا من حروب عسكرية في العراق وسوريا، أصبحنا نشك إننا إزاء شعب واحد في كل بلد، بل أصبحنا إزاء معسكرين: واحد يقوده علي بن أبي طالب، والآخر يقوده عمر بن الخطاب، وأما في ليبيا على سبيل المثال: فهناك حرب أهلية لا تتحدث عن السنة والشيعة، ولكنها حرب بين أهل الشرق وأهل الغرب، وهي في معظمها تقوم على أساس قبلي تتلبس بلبوس الجغرافيا، وفي اليمن دخلت الطائفية مؤخراً مع ورود أفكار خمينية وأخرى طالبانية، غير أن اليمنيين ابتلوا كذلك بنكد الانقسام المناطقي، حيث يحاول البعض تقسيم اليمنيين على أسس شطرية كما كانوا قبل عام 1990، إضافة إلى الانقسام الذي يبدو فيه العامل القبلي بارزاً في بلد لم يتحول بعد من التركيبة القبلية إلى بنية اجتماعية منسجمة. مصر تخلو من النكد الطائفي أو أنه ليس بارزاً في ثوبه «السني-الشيعي»، وإن كان هناك من يحاول جر مصر إلى ضرب من التقابل «الإسلامي -المسيحي» البديل، لينفجر الخلاف، لكن مصر مبتلاة بالصراع العنيف الذي كان في النصف الأول من القرن الماضي، بين دعاة العودة للماضي ودعاة الانفتاح على الغرب، وإن كان الصراع اليوم قد تلون إثر مروره بمنعرجات كثيرة صبغت لغته وخطابه بمزايا أسلوبية تغترف من قاموس مختلف إلى حد ما عن القاموس الذي كان يغترف منه قاسم أمين وطه حسين ومصطفى صادق الرافعي والمنفلوطي على سبيل المثال.
انقسمت مجتمعاتنا رأسياً وأفقياً، وانقسمت الأقسام إلى أقسام، حتى ليخيل للمراقب لكثرة الانقسامات في شعوبنا أن الفرد العربي منقسم على نفسه، لكثرة ما تنتابه من أفكار وآراء ومعتقدات وتوجهات، كمن ضيع البوصلة في ليلة شديدة الظلام وسط ريح عاصف في إحدى مفازات الربع الخالي. كيف نخرج من هذه الانقسامات المتشظية، والانشطارات المتوالدة بشكل وبائي إذن؟
المخرج في الاعتراف بالتنوع، وهو غير الانقسام، المخرج في الاعتراف بالاختلاف، وهو غير الخلاف، والمخرج أن نعترف بأننا نكذب عندما نزعم أن خلافاتنا مبدئية فيما نحن متشابهون في طرائق التفكير وأنماط السلوك، ووسائل البحث عن المصالح. وعندما نذكر المصالح، فإننا مطالبون بأن نعترف بأننا على مستوى الخطاب نرفع «المبدأ»، فيما نحن على مستوى الممارسة، نشهر «المصلحة»، وإذا ما عرفنا ذلك، فإننا يجب أن نميز بين «المبدأ و»المصلحة»، وألا نوظف «المبدأ» لتحقيق «المصلحة»، لأننا نسيء بذلك لمبادئنا ومصالحنا على السواء. علينا أن نجعل مبادئنا قيماً اجتماعية، وأنماط سلوك معيشة نمارسها في الحياة العملية، لتكون عوامل توحيد لمجتمعاتنا في وجه عوامل الانقسام التي تأتي بها صراعات المصالح السياسية والاقتصادية، تلك العوامل التي يمكن أن نقلل من خطورتها إذا ما نظمنا الكيفيات التي يتحصل بموجبها كل فريق على مصالحة، وفقاً للقيم والمبادئ المشتركة المستندة على تراثنا التاريخي وقيمنا الحضارية، وانتمائنا الإنساني الكبير.
يمكن القول- إذن – إن العوامل الدينية الطائفية، والقبلية العرقية، والجغرافية المناطقية، والحضارية الثقافية ليست هي العوامل الأساسية للانقسام، ولكنها مظهر يغطي حقيقة أننا منقسمون على المصالح، منقسمون لأننا لم نستطع أن نوزع ثرواتنا وسلطاتنا بالحق، لأننا فشلنا في إقامة دولنا على أسس من العدل والحرية والمساواة، وعندما اختل الميزان انقسمنا، وعندما انقسمنا بحثنا عن عناوين ويافطات دينية وجغرافية وثقافية لتكون ورقة التوت التي نغطي بها بدائيتنا المنقسمة الخارجة من الغابة أو غرائزنا المتصارعة الخارجة من الصحراء.
والخلاصة: علينا أن نعي أن الشعارات الطائفية والجهوية والقبلية والليبرالية والإسلاموية تستعمل اليوم في بلداننا لتغطية مصالح أصحابها، وإذا أردنا الخلاص من وطأة الشعار، فما علينا إلا أن ننظم مصالحنا بالحق والعدل وفقاً للأنظمة والقوانين. أخيراً: الناس لا ينقسمون حول قيمهم لأنها مشتركة، ولكنهم ينقسمون حول مصالحهم لأنها متصارعة.
هذه هي الحقيقية، وما عداها باطل الأباطيل وقبض الريح.

 

 

تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى كتابات
كتابات
دكتور/طه الروحاني
جنود مجندة .. !!
دكتور/طه الروحاني
خالد الرويشان
سفارة أمْ قسم شرطة!
خالد الرويشان
مروان الغفوري
إنعاش المؤتمر الشعبي كمقدمة لإنعاش الحياة العامة
مروان الغفوري
حميد قائد الشابرة
إلى المدافعون عن العزة والكرامة
حميد قائد الشابرة
فتحي أبو النصر
أمن البحر الأحمر
فتحي أبو النصر
الباحث/سرحان الوصابي
عندما تموت الظمائر في وصاب العالي الضعفاء يفتشون عن الانصاف
الباحث/سرحان الوصابي
المزيد ..